للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الخامس: الإعلال بالطعن في الراوي بما يخل بضبطه لكتابه.

المطلب الأول: أهمية حفظ الكتاب وتقديمه على حفظ الصدر عند الإمام أحمد.

حرص رواة الحديث على كتابة مروياتهم وعولوا على تدوينها في الصحف خشية ضياعها ونسيانها خاصة بعد أن انتشرت الروايات وطالت الأسانيد، وكثرت أسماء الرجال وكناهم وأنسابهم، واختلفت ألفاظ الروايات، فاشتدت حاجتهم إلى تقييد هذه الأمور لصعوبة حفظها على القلوب (١)، فشاعت لديهم الكتابة، وشجعوا تلاميذهم على تقييد المرويات وتدوينها، وحثوهم على ضبط ما دونوه وتحقيقه بما يُؤمَن معه اللبس وحثوها على صيانته من أن يدخله تغيير، كل هذا عناية بالسنن والآثار وحرصاً على حفظها من الضياع أو التبديل. ولحفظ المرويات في الكتاب أهمية أخرى، وهي أنه يتمكن معه صاحبه من معاهدة محفوظه بمطالعة الكتاب والنظر فيه، كما يمنعه من الوقوع في الوهم والغلط عند التحديث إذا كان يحدث منه ويعتمده وقت التحديث.

ولهذا الاعتبار كان من منهج الإمام أحمد تقديم حفظ الكتاب على حفظ الصدر، سواء في حالة التحمل أو الأداء، فالرواة الذين يضبطون مسموعاتهم في الكتاب وقت التحمل مقدمون عنده على الذين يعتمدون على حفظ صدورهم. قال محمد بن مسلم بن وارة: "قلت لأحمد بن حنبل: أبو الوليد أحب إليك في شعبة أو أبو النضر؟ قال: إن كان أبو الوليد يكتب عند شعبة فأبو الوليد" (٢). فلم يقدم الإمام أحمد أبا الوليد على أبي النضر إلا بشريطة أن يكون ممن يكتب عند شعبة


(١) هذا تعليل الخطيب لإباحة كتابة العلم انظر: تقييد العلم ص ٦٤.
(٢) تهذيب الكمال ٣٠/ ٢٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>