للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع أنه قد قال في أبي الوليد: إنه أتقن حديث شعبة (١)، لأن أبا النضر كان قد كتب عن شعبة إملاءً كما قال الإمام أحمد (٢)، فلا يتقدم عليه أبو الوليد مع مزيد إتقانه إلا إذا كان يضبط ما تحمله عن شعبة في كتاب كما كان يفعله أبو النضر، فحيث استويا في الوصفين يحق لأبي الوليد التقدم لما له من مزيد الإتقان، وأما حيث كانت المسئلة الإتقان في مقابل حفظ الكتاب فلا يحق في هذه الحالة تقديم الإتقان على حفظ الكتاب.

وقال حنبل: قال أبو عبد الله: "إذا اختلف وكيع وعبد الرحمن فعبد الرحمن أثبت، لأنه أقرب عهد بالكتاب" (٣). فكلٌ من وكيع وعبد الرحمن من الحفاظ المتقنين، بل إن وكيعاً أحفظ من عبد الرحمن عند الإمام أحمد، فقد قال في وكيع: ما رأيت أوعى للعلم ولا أحفظ من وكيع (٤)، لكنه قدم عليه عبد الرحمن بن مهدي لأنه كان يتعاهد كتابه، لأنه صاحب كتاب.

ووجه تقديم الإمام أحمد لحفظ الكتاب على حفظ الصدر أن صاحب الكتاب أسلم من الوقوع في الغلط والوهم من الذي يعتمد على حفظه مهما بلغ في الحفظ. قال الأثرم: "سمعت أبا عبد الله يقول: كان شعبة يحفظ، لم يكتب إلا شيئاً قليلاً، وربما وهم في الشيء" (٥)، فكأنه يجعل علة وهمه اعتماده على الحفظ وكونه لم يكتب من حديثه إلا شيئاً قليلاً.

وكان يرُجع سبب أوهام بعض الرواة إلى كونهم لم يكونون يكتبون عند


(١) العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله ٢/ ٣٦٩ رقم ٢٦٤١.
(٢) تاريخ بغداد ١٤/ ٦٥.
(٣) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ص ١١.
(٤) العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله ١/ ٣٢٣ رقم ٥٦٧.
(٥) تاريخ بغداد ٩/ ٢٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>