وهذا القسم إنما جاء الضعف عليهم من قبل حفظهم، فهو أمر راجع إلى الإخلال بصفة الضبط المشترط توفرها لقبول الأحاديث، فقد كان يقع الاختلاف في حديثهم، فيحدثون مرة هكذا ومرة هكذا، فيضطربون في رواية الحديث الواحد، وما ذلك إلا لأن أهل العلم وحملته فيما مضى كانوا لا يكتبون، ومن كتب منهم إنما كان يكتب لهم بعد السماع، فمع كثرة المرويات وأسانيدها لا بد لمن لم يوصف بقوة الحفظ وشدة التيقظ أن تقع الأغلاط والأخطاء في مروياته، لكن العبرة بالغالب، فمن كان الغالب على حديثه السلامة والاستقامة فهو من أهل الاحتجاج المطلق، ومن كان الغالب على حديثه الغلط والخطأ كان من المتروكين، ومن كان دون ذلك فهو محل التردد.
فهذه الصفة ـ أعني سوء الحفظ ـ وجودها في الراوي يعدُّ من أسباب إعلال الأحاديث. ثم هي إما لازمة للراوي أو طارئة عليه، واللازمة له إما مطلقاً، وإما مقيدة بروايته عن بعض شيوخه، أو عن أهل بعض البلدان، أو في رواية أهل بعض البلدان عنه، أو كان ذلك إذا جمع الشيوخ دون ما إذا أفردهم. والطارئ عليه هو الذي يأتي بسبب السنّ ـ وهو الاختلاط ـ أو العمى، أو ذهاب الكتب.
وهذا المبحث سيتناول الإعلال بسوء الحفظ الملازم للراوي بأقسامه في مطالب، وأما سوء الحفظ الطارئ على الراوي فستكون دراسته في المبحث الثاني إن شاء الله.