للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد صمد الإمام أحمد أمام رياح هذه الفتنة العاتية ـ فتنة خلق القرآن ـ و"صار مثلاً سائراً، يضرب به المثل في المحنة والصبر على الحق، فإنه لم يكن تأخذه في الله لومة لائم، حتى صارت الإمامة مقرونه باسمه في لسان كل أحد، فيقال: قال الإمام أحمد، وهذا مذهب الإمام أحمد … لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: ٢٤] فإنه أعطي من الصبر واليقين ما نال به الإمامة في الدين، وقد تداوله ثلاثة خلفاء يسلطون عليه من شرق الأرض إلى غربها، ومعهم من العلماء المتكلمين والقضاة والوزراء والأمراء والولاة ما لا يحصيه إلا الله، فبعضهم تسلط عليه بالحبس، وبعضهم بالتهديد الشديد، وبعضهم يعده بالقتل وبغيره من الرعب، وبعضهم بالترغيب في الرياسة والمال، وبعضهم بالنفي والتشريد من وطنه، وقد خذله في ذلك أهل الأرض حتى أصحابه العلماء والصالحون، وهو مع ذلك لا يجيبهم إلى كلمة واحدة مما طلبوا منه، وما رجع عما جاء به الكتاب والسنة، ولا كتم العلم، ولا استعمل التقية، بل قد أظهر من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثاره ما دفع به البدع المخالفة لذلك ما لم يتأت مثله لعالم من نظرائه" (١).

وقد ارتفع قدر الإمام أحمد رحمه الله، وعلت منزلته وصار كالنجم بسبب صموده أمام تلك العاصفة، وصبره على الفتنة والمحنة، فعرف العالم له ذلك كله، وأثنى عليه أئمة عصره ومن بعدهم من ذلك:

١ - قال علي بن المديني: "إن الله أعز هذا الدين برجلين، ليس لهما ثالث، أبو بكر الصديق، يوم الردة، وأحمد بن حنبل، يوم المحنة" (٢).


(١) من كلام محقق سير أعلام النبلاء ١١/ ٢٣٢ الهامش رقم ١.
(٢) تاريخ بغداد ٤/ ٤١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>