للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التدليس ـ قد سمع منه جاءت روايته عنه بما لم يسمعه منه كأنها إيهام سماعه ذلك الشيء، فلذلك سمِّي تدليساً" (١)، و فرق بينهما أيضاً الحافظ ابن حجر (٢)، وهو ظاهر كلام الخطيب حيث قال: "لا خلاف بين أهل العلم أن إرسال الحديث الذي ليس بمدلَّس هو رواية الراوي عمن لم يعاصره أو لم يلقه" (٣) فذكر الإرسال بنوعيه الجلي والخفي، وأنه يغاير التدليس.

وأما ما ورد عن الإمام أحمد من إطلاق التدليس على رواية هشيم عن الثوري مع أنه لم يرد ما يدل على سماعه منه مع لقيّه إياه، فقد تقدم توجيه ذلك وأن الذي سوّغ ذلك الإطلاق كون هُشيم معروفاً بالتدليس، فيستنتج منه أن الراوي المعروف بالتدليس إذا روى عمن لقيه ولم يسمع منه ساغ تسمية ذلك بالتدليس، وأما إذا لم يكن معروفاً بالتدليس فهو إرسال، ولا يقال له تدليس إلا على سبيل التجوز لأنه ليس في روايته تلك إيهام بالسماع في الحقيقة، وإن كان فيها إيهام لمن ليس له معرفة باللقاء بينه وبين شيخه، وبهذا يتم توجيه ما ورد عن الإمام أحمد من إطلاق التدليس على رواية عبد المجيد بن أبي رواد عن عبيد الله العمري.

وقد تقدم أيضاً أن الإمام أحمد يطلق الإرسال على ما صورته التدليس، وذلك فيما رواه عبد الله: "قال أبي: ما سمع سفيان الثوري من أبي عون غير هذا الحديث الواحد ـ يعني حديث الوضوء مما مسّت النارٌ ـ والباقي يرسلها عنه" (٤)، ولا يقتضي ذلك الترادف بين اللفظين، وإنما ساغ ذلك الإطلاق لأن بين التدليس والإرسال قدراً مشتركاً وهو إسقاط الواسطة، كما أن بينهما عموم


(١) بيان الوهم والإيهام ٥/ ٤٩٣.
(٢) انظر: نزهة النظر ص ٤٣.
(٣) الكفاية في علم الرواية ص ٥٤٦.
(٤) العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله ٣/ ٣٨٦ رقم ٥٦٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>