للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنهم لجلالته، وإن كان لا يجعلهم في مرتبة الثقات كما يفعل بمن تفرد الإمام مالك بالرواية عنهم كما سيأتي، وهذا يوضحه قوله في كلٍّ من الراويين اللذين تقدم ذكرهما حيث قال في الأول ـ وهو الحارث بن عبد الرحمن: "لا أرى به بأساً". وقال في الثاني: "صالح". على أن هناك ما يدل على أن شهرة الأول، وهو كثرة حديثه بخلاف الثاني.

ووجه اعتبار جلالة الراوي وصفاً رافعًا لجهالة من تفرد بالرواية عنه والحكم عليه بالشهرة هو أنه يبعد مع جلالة الحافظ المعتني بهذا الشأن أن يأخذ العلم عمن ليس بأهل أن يؤخذ عنه. قال ابن معين في عُمارة بن أكيمة الليثي (١) الذي تفرد الزهري بالرواية عنه: "كفاك قول الزهري: سمعت ابن أكيمة يحدث سعيد بن المسيب. قال ابن عبد البر: إصغاء سعيد بن المسيب إلى حديثه دليل على جلالته عندهم" (٢). وذكره ابن البرقي في "باب من لم تشتهر عنه الرواية واحتُملت روايته لرواية الثقات عنه" وقال: لم يغمز (٣).

لكن يستثنى من هذا من كان مع جلالته معروفاً بالرواية عن كل ضرب من الرواة، ولا ينتقي شيوخه، فقد قال الإمام أحمد في جون بن قتادة: "شيخ

لا يُعرف، لم يحدث عنه غير الحسن" (٤). فلم يعتبره الإمام أحمد معروفاً برواية الحسن البصري عنه مع جلالته كما فعله علي بن المديني (٥). والذي يظهر لي أن


(١) عمارة بن أُكيمة الليثي المدني، روى عن أبي هريرة، وعن ابن أبي رهم الغِفاري، وروى عنه الزهري وحده. قال ابن سعد: روى عنه الزهري حديثاً، ومنهم من لا يحتج بحديثه يقول: هو شيخ مجهول. ا. هـ. انظر: تهذيب الكمال ٢١/ ٢٢٨ - ٢٢٩.
وذكر ابن معين أن محمد بن عمرو بن علقمة روى عنه أيضاً التاريخ ـ برواية الدوري ٣/ ١٧٦ رقم ٧٨٢.
(٢) تهذيب التهذيب ٧/ ٤١١.
(٣) الموضع نفسه.
(٤) مسائل الإمام أحمد ـ برواية أبي داود ص ٤٠٧ رقم ١٩١٦.
(٥) قال علي بن المديني: وجون لم يرو عنه غير الحسن، إلا أنه معروف تهذيب الكمال ٥/ ١٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>