للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أساء فهم هذا الحديث طائفة المعتزلة فتركوا حضور الجمعة.

والأقرب أن أمر الإمام أحمد بالضرب على هذا الحديث ليس تضعيفاً له، ولكن للنهي عن التحديث به خوفاً من أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في مخالفات أشدّ. وقد ذُكر عنه أنه كان يكره التحديث بالأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان (١)، فالظاهر أن هذا منه، والله أعلم.

ومثال ما استنكره من أجل المخالفة وتعقّب قوله فيه:

قال أبو داود: "سمعت أحمد ذكر حديث صالح بن كيسان، عن الحارث ابن فُضيل الخطمي، عن جعفر بن عبد الله بن الحكم، عن عبد الرحمن بن عبد الله ابن الحكم، عن عبد الرحمن بن المِسوَر بن مخرمَة، عن أبي رافع، عن عبد الله ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يكون أمراء يقولون ما لا يفعلون، فمن جاهدهم بيده". قال أحمد: جعفر هذا هو أبو عبد الحميد بن جعفر، والحارث بن فُضيل ليس بمحمود الحديث، وهذا الكلام لا يشبه كلام ابن مسعود، ابن مسعود يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصبروا حتى تلقَوني" (٢).

حديث ابن مسعود رواه مسلم (٣) من طريق صالح بن كيسان بهذا الإسناد، ومتنه: "ما من نبيٍ بعثه اللهُ في أُمّة قبلي إلا كان له من أمتِهِ حَواريُّونَ وأصحابٌ يأخذون بسنّته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلُفُ من بعدهم خُلوفٌ، يقولون مالا يَفعلون، ويَفعلون ما لا يُؤمَرون، فمن جاهَدَهم بيده فهو مُؤمن، ومن جاهَدَهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهَدَهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراءَ


(١) فتح الباري ١/ ٢٣٥.
(٢) مسائل الإمام أحمد ـ برواية أبي داود ص ٤١٨ رقم ١٩٥٠. ورواه الخلال كما في "السنة" ١/ ١٤٢ ح ١٠٥ وفي "المنتخب من العلل للخلال" ص ١٦٩ - ١٧٠.
(٣) صحيح مسلم ١/ ٦٩ ح ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>