للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز، إذ لا سبيل الى اتباع ما أنزل الينا من ربنا إلا على ذلك وإنما يوجه كلام الله-عز وجل- الى الأشهر والأظهر من وجوهه، ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم، و لو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات، والله عز وجل لم يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين (١).

وقال العلامة الفقيه محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله (ت: ١٣٩٣ هـ) في "منع جواز المجاز": "وأوضح دليل على منعه في القرآن: إجماع القائلين بالمجاز على أنَّ كلَّ مجاز يجوز نفيه ويكون نافيه صادقًا في نفس الأمر، فتقول لمن قال: رأيت أسدًا يرمي ليس هو بأسد، وإنما هو رجلٌ شجاع، فيلزم على القول بأنَّ في القرآن مجازًا أنَّ في القرآن ما يجوز نفيه، ولا شكَّ أنه لا يجوز نفي شيء من القرآن، وهذا اللزوم اليقيني الواقع بين القول بالمجاز في القرآن وبين جواز نفي بعض القرآن قد شوهدت في الخارج صحَّتُه، وأنه ذريعة إلى نفي كثير من صفات الكمال والجلال الثابتة لله تعالى في القرآن العظيم" (٢).

وهو من أحسن ما جادت به قريحة العلامة الشنقيطي ذاك البحر الخضم والأصولي، العالم باللغة وضروبها وأفانينها.

قال سماحة شيخنا العلامة الإمام ابن باز رحمه الله (ت: ١٤٢٠ هـ): الصحيح الذي عليه المحققون أنه ليس في القرآن مجاز على الحد الذي يعرفه أصحاب فن البلاغة. وكل ما فيه فهو حقيقة في محله، ومعنى قول بعض المفسرين أن هذا الحرف زائد يعني من جهة قواعد الإعراب وليس زائدا من جهة المعنى، بل له معناه المعروف عند المتخاطبين باللغة العربية؛ لأن القرآن الكريم نزل بلغتهم كقوله سبحانه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى: ١١] يفيد المبالغة في نفي


(١) التمهيد: (٥/ ١٦).
(٢) منع جواز المجاز، للشنقيطي (ص ٨).

<<  <   >  >>