للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«إنما»، ذلك ليثبت للبشرية قاطبة أن الشريعة السمحة التي بعث بها إنما شرعت لإصلاح هذا الجانب العظيم ولإكماله وإتمامه وتحسينه.

ثانيًا: فريضة الصيام وعلاقتها بالعقيدة والأخلاق وكذلك الشأن في فرضية الصيام ومشروعيته:

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣)} [البقرة: ١٨٣].

والصيام من أعظم الوسائل لتحقيق التقوى التي بها جماع الخير كله- وهي الجامع لأمر الاستجابة لله بفعل المأمور وترك المحذور، والصيام الذي يثمر التقوى يقيم سياجًا قويًّا وحصنًا منيعًا بين المؤمن و بين محارم الله تبارك تعالى.

يقول ابن كثير: «لِمَا فِيهِ مِنْ زَكَاةِ النَّفْسِ وَطَهَارَتِهَا وَتَنْقِيَتِهَا مِنَ الْأَخْلَاطِ الرَّدِيئَةِ وَالْأَخْلَاقِ الرَّذِيلَةِ» (١).

والصِّيام سرٌّ خفي بين العبد وربِّه لا يطَّلع عليه إلا هو سبحانه.

ومن حقائق الصوم ترك ما جبلت عليه النفوس وألفته الطباع من حظوظ النَّفس ومشتهياتها لله تعالى، مع قدرة العبد على ذلك.

وهذا دليل على تمام صدق العبد و كمال إخلاصه لله تعالى، وذلك لعلمه باطلاع ربه عليه ومراقبته له في خلواته وجلواته، فأطاع الله تعالى واستجاب لداعي الإيمان رغبة فيما عند الله من جزيل الثواب، ورهبة فيما عنده من أليم العقاب، ذلك لأن الصِّيام من العبادات الَّتي تسمو بنفس المسلم إلى مرتبة الإيمان ثم ترتقي به إلى درجة الإحسان التي هي أعلى مراتب الدين.

يقول ابن عاشور: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣)} [البقرة: ١٨٣]: «بيان لحكمة الصيام وما لأجله شرع» (٢).


(١) ابن كثير (١/ ٤٩٧).
(٢) ابن عاشور (٢/ ١٥٧).

<<  <   >  >>