للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوصية الثالثة من وصايا لقمان لابنه في الجانب الأخلاقي

٣ - الأمر بالقصد في المشي تواضعًا

قوله سبحانه: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} [لقمان: ١٩].

تمهيد:

إن نعمة المشي من نعم الله على خلقه، وقد قسم سبحانه هذه النعمة بين خلقه كما قسم بينهم أرزاقهم وجميع آلائه بينهم، {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} [النور: ٤٥] كالحيات والزواحف، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ} [النور: ٤٥] كسائر البشر، {وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} [النور: ٤٥] كالبهائم وغيرها من المخلوقات، وهكذا سبحانه {يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [النور: ٤٥]، ويعطي كل مخلوق ما يناسبه ويهديه إلى ما يلائمه، فهذا خلقه، فسبحانه قد أحسن وأحكم كل شيء خلقه حكمة وعلمًا، {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٥)} [النور: ٤٥].

قال القرطبي: «المشي على البطن للحيات والحوت، ونحوه من الدود وغيره، وعلى الرجلين للإنسان والطير إذا مشى، والأربع لسائر الحيوان» (١).

فالإنسان خُلِقَ في أحسن تقويم، وقد جعل الله مشيه على رجلين يمشي مشيًا سويًّا، ولم يجعل مشيه على بطنه كالثعابين، ولم يجعل مشيه على أربع كالبهائم وسائر العجماوات، أفبعد هذا التكريم يليق بعاقل أن يتخايل ويتمايل ويتبختر ويتعالى في مشيته ويتكبر على عباده.

وإن كان المشي من نعم الله تعالى على خلقه؛ فهو كذلك آية عظيمة من آياته الكبرى الباهرة التي تدل على قدرته في عظم تدبير شؤون خلقه كل بما يناسبه فسبحانه: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (٥٠)} [طه: ٥٠]. ومن دلائل قدرته سبحانه أنه يحشر الكفار يوم القيامة على وجوههم كما قال سبحانه: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} [الإسراء: ٩٧].

قال ابن سعدي: «يحشرهم الله على وجوههم ـ خزيًاـ عميًا وبكمًا، لا يبصرون ولا ينطقون» (٢) انتهى.

ومما يدل على ذلك أيضًا من السنة ما ورد في باب قوله تعالى: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى


(١) تفسير القرطبي (١٢/ ٢٩٢).
(٢) ابن سعدي (ص ٤٦٧).

<<  <   >  >>