للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحجة في دين الله ولا في تفسير كتابه، وإن استدلاله بها كان يقوم مقام الاستدلال بالشعر القديم (١).

[الأصل الحادي عشر: دقته وأمانته العلمية]

ومما يدلل على دقته وأمانته العلمية في تفسيره، ما يحتويه تفسيره من الروايات المسندة، فتفسيره فيه: (٣٨٣٩٧) ثمانية وثلاثون ألفًا وثلاثمائة وسبع وتسعون رواية في التفسير؛ أي: ما يُقارب أربعين ألف رواية، يرويها ابن جرير كلها بأسانيده إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو إلى الصحابة، أو إلى التابعين وأتباعهم.

وهذه خمسة نقولات ننقلها للقرَّاء الكِرام من تفسير الطبري، وسيندهش كلُّ مَنْ يقرؤها من شدة تحرِّيه في ألفاظ الروايات حتى في الكلمة الواحدة؛ بل وفي الحرف الواحد.

قال الطبري، رحمه الله:

١ - قوله: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: ١٠]، يقول تعالى ذكره: وما اختلفتم أيها الناس فيه من شيء فتنازعتم بينكم، {فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}، يقول: فإن الله هو الذي يقضي بينكم، ويفصل فيه الحكم كما حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن (هو الزعفراني)، قال: حدثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: ١٠]، قال ابن عمرو في حديثه: "فهو يحكم فيه"، وقال الحارث: "فالله يحكم فيه" (٢)؛ فتأمَّل كيف ميَّز ابن جرير لفظ شيخيه: محمد بن عمرو والحارث، مع أن المعنى واحدٌ!

٢ - وقال رحمه الله أيضًا: حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس، {وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ} [هود: ١٠٩]، قال: ما وعدوا


(١) مقدمة محمود شاكر من تفسير الطبري، ١: ١٦ - ١٧، وتعليقه في ١: ٤٥٣ - ٤٥٤
(٢) تفسير الطبري: (٢٠/ ٤٧٣).

<<  <   >  >>