للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: مفهوم التأويل]

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: مفهوم التأويل لغًة

التأويل لغة: "مصدر أوّل يؤوّل، وأوّل فعّل -بتشديد أوسطه- ثلاثيه آل يؤول أولا"، قال أهل اللغة: الأوْل الرجوع، وهذا تفسير تقريبي، وأغلب ما تستعمل في الرجوع الذي فيه معنى الصيرورة، ومن أمثلة اللغويين: "طبخ الشراب؛ فآل إلى قدر كذاو كذا". ولذلك وضع بعض النحاة "آل" في الأفعال التي تجيء بمعنى "صار"، وتعمل عملها. و" آل" قريب من معنى "حال"، أي: تحول من حال إلى حال.

والتأويل مأخوذ من هذا، فهو أن يجعل الكلام يؤول إلى معنى لم يكن ظاهرًا منه، فآل الكلام إلى أن حمل على ذلك المعنى بعد أن كان غير ظاهر فيه (١).

ومما قيل في ذلك أنه: "مأخوذ من الأَوْل، وهو الرجوع، قال ابن منظور: الأول: الرجوع، آل الشيء يؤول أوْلاً، ومآلاً: رجع، وقال أبو عبيد: التأويل: (المرجع والمصير) " (٢).

وقيل: إن التأويل مأخوذ من الإيالة، وهي السياسة، قال الزبيدي: "آل الملك رعيته يؤول إِيَالاً: ساسهم وأحسن رعايتهم، وآل المال: أصلحه وساسه" (٣).

وعلى ذلك: فإن قلنا: إن التأويل مأخوذ من الأول، وهو الرجوع، فلأن فيه إرجاع الآية إلى ما تحتمله من المعاني، وإن قلنا: إنه مأخوذ من الإيالة وهي السياسة، فلأن المؤول يسوس الكلام، ويضعه في معناه اللائق به.

المطلب الثاني: مفهوم التأويل اصطلاحًا

أما التأويل واستعمالاته في الاصطلاح، فإنه يطلق على معان عدة:

من أهمها وأبرزها ما يأتي:

١. يطلق على التفسير، وهو الإيضاح والتبيين، فيكون التفسير والتأويل بمعنى واحد، وهذا ما جرى عليه ابن جرير الطبري في تفسيره، حينما يقول: القول فى تأويل قوله تعالى كذا وكذا، وبقوله: اختلف أهل التأويل فى هذه الآية.

٢. ويطلق على حقيقة الشيء ذاته، ونفس المراد بالكلام، فإذا قيل: غربت الشمس، فتأويل هذا هو نفس غروبها، وهذا، في نظر ابن تيمية رحمه الله (٤)، هو لغة القرآن التي نزل بها.

٣. ويطلق على صرف اللفظ عن ظاهره الراجح إلي معنى آخر مرجوح، وهو بهذا الإطلاق نوعان: صحيح، وفاسد.

المطلب الثالث: بيان معاني التأويل في القرآن إجمالًا

فالتأويل لفظ مجمل يحتاج إلى تفسير وبيان؛ وله أربعة معان في كتاب الله تعالى على التفصيل التالي:

المعنى الأول: التفسير والمرجع وما يؤول إليه الكلام؛ يقول الجوهري (ت ٣٩٣ هـ): التأويل: تفسير ما يَؤُولُ إليه الشيء، أي: تفسيره ومرجعه" (٥).

المعنى الثاني: عاقبة الشيء؛ يقال: "آل الأمر إلى كذ" إذا صار إليه ورجع (٦)؛ ومنه قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: ٥٩]، يقول ابن جرير الطبري (ت ٣١٠ هـ): يعني: وأحمد مَوْئلا ومغبّة، وأجمل عاقبة" (٧).


(١) يُنظر: رسالة في حقيقة التأويل لعبد الرحمن بن يحيى بن علي بن محمد المعلمي العتمي اليماني (المتوفى: ١٣٨٦ هـ) المحقق: جرير بن العربي أبي مالك الجزائري الناشر: دار اطلس الخضراء للنشر والتوزيع، الرياض الطبعة الأولى، ١٤٢٦ هـ - ٢٠٠٥ م-عدد الأجزاء: ١ (١/ ٤١)، بتصرف واختصار.
(٢) لسان العرب (أول) ط./ دار المعارف.
(٣) تاج العروس للزبيدي (أول) ط./ الكويت.
(٤) كما يقول الدكتور محمد حسين الذهبي فى: التفسير والمفسرون: ١/ ٢٠، طبعة المدني.
(٥) الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: (٤/ ١٦٢٧).
(٦) يُنظر: تفسير الطبري: (٦/ ٢٠٥).
(٧) تفسير الطبري، مرجع سابق: (٨/ ٥٠٦).

<<  <   >  >>