تحقيق التوحيد قولًا وعملًا، ظاهرًا وباطنًا، وصرف العبادة كلها لله تعالى، ولأن العبادة لا تسمى عبادة ولا تصح إلا مع التوحيد، وذلك حتى يتم توحيدهم، ويسلم لهم إسلامهم، ويصح إيمانهم وانقيادهم وعبوديتهم لله الواحد القهار.
وإن العناية بتعليم عقيدة التوحيد الخالص لعموم الخلق ودعوتهم إليها ولا سيما الناشئة منهم، هو نهج النبيين والمرسلين عليهم الصلاة والسلام أجمعين، ومن بَعدهم وعلى نهجهم في كل زمان سار الأئمة الأعلام من العلماء ورثة الأنبياء والسادة المصلحين الحنفاء والمربين النجباء، فكانوا يبتدرون الناس بالدعوة إلى توحيد الله وإفراده سبحانه بالعبودية وترك عبادة ما سواه وإصلاح العقائد، ثم بعد ذلك يعلمونهم ويأمرونهم ببقية شرائع دين الله تعالى.
رابعًا: بيان أن الدعوة إلى التوحيد هو نهج جميع النبيين والمرسلين:
ولقد بَيَّنَ الله في كتابه أن رسالة النبيين والمرسلين جميعًا هي دعوة الخلق إلى توحيده وعبادته وإخلاص العمل له وحده سبحانه ونبذ عبادة ما سواه. قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء: ٢٥]. وقال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل: ٣٦].
فجميع النبيين المرسلين عليهم السلام بُعِثوا بهذه المهمة العظيمة والرسالة الجليلة، من لدن نوح عليه السلام وهو أول الرسل وحتى خاتمهم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
قال الله تعالى عن نوح عليه السلام:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[الأعراف: ٥٩]، وكذلك قال هود وصالح وشعيب وإبراهيم عليهم السلام أجمعين، ومن محاسن دعوة الأنبياء والمرسلين عليهم السلام في هذا المضمار، عنايتهم بعقائد أبنائهم تربيةً وتعليمًا وتوجيهًا ودعوةً:
فهذا نوح عليه السلام أول رسل الله لأهل الأرض يهتف في فلذة كبده وثمرة فؤاده محذرًا له