للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى الله آمرًا بالمعروف مؤتمرًا به وناهيًا عن المنكر منتهيًا عنه، فجاءت الوصية به.

ويؤكد هذا المعنى الرازي فيقول: «{وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [لقمان: ١٧] أي: إذا كملت أنت في نفسك بعبادة الله فكمل غيرك، فإن شغل الأنبياء وورثتهم من العلماء هو أن يكملوا أنفسهم ويكملوا غيرهم» (١).

ثانيًا: بيان مكانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الدين

إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة من أوجب فرائض الدين، وشعيرة من أعظم شعائره، ولذا ضمه لقمان ضمن وصاياه الخالدة لولده.

وإن مما حازت به هذه الأمة الخيرية بين الأمم قيامها بهذه الشعيرة العظيمة، ولعظم مكانتها فقد قرنها الله بالإيمان به سبحانه، كما قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: ١١٠].

يقول رشيد رضا: «فعلم أنَّ خيرية الأمة وفضلها على غيرها تكون بهذه الأمور: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر والإيمان بالله تعالى» (٢).

ويقول القرطبي: «هذه الآية مدح لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ويظل هذا معها ما أقاموا ذلك، فإذا تركوا ذلك التغيير زال عنهم اسم المدح، ولحقهم اسم الذم، وكان ذلك سببًا لهلاكهم؛ فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو شرط الخيرية» (٣).

ويقول ابن كثير: «فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في هذا الثناء عليهم والمدح، كما قال قتادة: بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حجة حجها، رأى من الناس سرعة، فقرأ هذه الآية: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: ١١٠] ثم قال: من سره أن


(١) الرازي (١٣١).
(٢) تفسير المنار (٤/ ٤٧).
(٣) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (جـ ٤) (ص ١٧٣).

<<  <   >  >>