للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيًا: بيان العلة من تقديم لقمان النهي عن الشرك في موعظته لولده:

وفي بدء لقمان موعظته لولده بالنهي عن الشرك قبل الأمر بالتوحيد، علل جليلة من أهمها وأعظمها وأبينها ما يلي:

[العلة الأول]

أراد لقمان أن يبين لولده أولًا ثم للمربين وسائر المصلحين ثانيًا أن التوحيد لا يسمى توحيدًا ولا يتحقق إلا باجتناب الشرك أولًا، فنبذ الشرك والتخلي عنه والبراءة منه ومن أهله شرط صحة في قبول جميع الأعمال ومنها وأولها التوحيد الذي هو حق الله على جميع العبيد، كما قال سبحانه: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: ٢٣].

قال الحافظ ابن كثير في هذه الآية: «وهذا يوم القيامة، حين يحاسب الله العباد على ما عملوه من خير وشر، فأخبر أنه لا يتحصل لهؤلاء المشركين من الأعمال -التي ظنوا أنها منجاة لهم- شيء؛ وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي، إما الإخلاص فيها، وإما المتابعة لشرع الله. فكل عمل لا يكون خالصًا وعلى الشريعة المرضية، فهو باطل. فأعمال الكفار لا تخلو من واحد من هذين، وقد تجمعهما معًا، فتكون أبعد من القبول حينئذ؛ ولهذا قال تعالى: {فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: ٢٣]» (١).

[العلة الثانية]

أراد لقمان بيان وجوب تقديم التصفية على التربية والتخلية على التحلية، وهذه قاعدة عظيمة من قواعد التربية، فإذا أردنا أن نربي أبناءنا على التوحيد الخالص فلا بد أولًا من تصفية العقائد الشركية والكفرية وأمرهم بنبذها والبراءة منها ومن أهلها، ومن ثَمَّ نأمرهم بتحقيق التوحيد وإخلاص الوجه لله سبحانه، ومن أراد أن يزينهم بزينة الإيمان لا بد أولًا أن يخليهم من نواقضه ويجنبهم إياها ويبغضهم فيها ويداوم على تحذيرهم منها ويزجرهم عنها، ومن أراد أن يحليهم ويجملهم بالفضائل ومكارم الأخلاق ومحاسن الصفات وجميل الفعال فلا بد أولًا أن


(١) تفسير ابن كثير (٦/ ١٠٦).

<<  <   >  >>