للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[وعنايته بالقراءات تعني الدقة والتحري لا التوسع والاستفاضة]

ومن ذلك بيان اعتذاره عن نفسه سبب عدم الاستفاضة في مناقشة قراءة: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: ٤]، التي قرأ بها عاصم والكسائي ويعقوب وخلف بالألف مدًا {مَالِكِ} بألف فيقرؤونها هكذا: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: ٤]، بينما قرأ الباقون من القراء العشرة بغير ألف قصرًا {مَلِكِ} بغير ألف: {مَلِكِ يوم الدين}.

ويجلي هذا المعنى فيقول رحمه الله:

"وقد استقصينا حكاية الرواية عمن روي عنه في ذلك قراءة في كتاب القراءات، وأخبرنا بالذي نختار من القراءة فيه، والعلة الموجبة صحة ما اخترنا من القراءة فيه، فكرهنا إعادة ذلك في هذا الموضع؛ إذ كان الذي قصدْنا له في كتابنا هذا البيان عن وجوه تأويل آي القرآن دون وجوه قراءتها" (١).

ومع ذلك فتراه يعتني بالقراءة المتواترة الثابتة، ويرفض القراءات الشاذة ويردها، ويوجه القراءات التي يراها نحويًا وتفسيريًا، مرجحًا لها ليجلي بها معاني مبهمة أو يزيد بها معنى آخر غير المعنى الذي في القراءات الأخرى، وأحيانًا يذكر القراءات الواردة في الآية دون ترجيح بينها.

وما اتُهِمَ به الطبريُ من رد قراءة متواترة فهو أمر مستبعد من مثله كإمام علم، ولاسيما وأن عبارة التواتر ربما لا تجد استعمالًا لها عنده، بقدر ما يستعمل الألفاظ التي تدل على استفاضة القراءة وشيوعها واشتهارها ونحو ذلك؛ فالقراءة المشتهرة عنده لا يمكن له ردها ولا الطعن فيها، إلا إذا ثبت عنده شذوذها.


(١) تفسير الطبري: (١/ ١٥٠).

<<  <   >  >>