للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤. ولا بد أن يكون رفيقًا فيما يأمر به رفيقًا فيما ينهى عنه

وفي نحو ذلك جاءت وصيته تعالى لموسى وهارون عليهما السلام فقال لهما: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (٤٣) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (٤٤)} [طه: ٤٣ - ٤٤].

هذا مع ما جمع فرعون من صنوف الشرّ كله: من ادعاء الألوهية والربوبية، والعلو في الأرض، والصد عن سبيل الله، والتكبر والتجبر، والفساد والإفساد فيها، وسفك الدماء، وقتل الأبرياء، واستحياء النساء.

وقال الله تعالى أيضًا مخاطبًا نبيه -صلى الله عليه وسلم-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: ١٢٥]، فامتثل النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر ربه، ثم أوصى -صلى الله عليه وسلم- أمته بذلك فقال -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه» (١)، ولا شك أن لنا فيه -صلى الله عليه وسلم- الأسوة الحسنة.

ويؤكد سفيان الثوري أيضًا على جملة من خصال القائم بتلك الشعيرة العظيمة فيقول: «لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فيه ثلاث خصال: رفيق بما يأمر، رفيق بما ينهى، عدل بما يأمر، عدل بما ينهى، عالم بما يأمر، عالم بما ينهى» (٢).

ولا ريب أن استعمال تلك الخصال له العواقب الحميدة والآثار الطيبة على الداعي والمدعو والدعوة نفسها على حدٍّ سواء.

ويقول سبحانه ممتنًا على نبيه -صلى الله عليه وسلم- أيضًا: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩].

هذا كله مع وجوب التحلي بالإخلاص وحسن القصد، ولم يفرد الباحث الكلام عن الإخلاص مع أهميته ومكانته، لأنه شرط صحة في قبول جميع الأعمال.


(١) مسلم (٢٥٣٩).
(٢) جامع العلوم والحكم (جـ ٣) (ص ٩٦٣). (٥٩)

<<  <   >  >>