للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الأنبياء وبر الوالدين]

إن بر الوالدين من العبادات العظيمة التي حثت ورغبت فيها كل الشرائع السماوية، وهو مع ذلك أمر عظيم يسعى في تحقيقه ويطمع ويرغب فيه كل صاحب فطرة نقية ونفس سوية، كما أنه من أخص أوصاف النبيين عليهم السلام، ومن خصال عباد الله الصالحين، وهو دليل ظاهر على وفاء صاحبه وصدق إيمانه، وهو من محاسن ديننا الحنيف، ذلك لأن فيه اعترافًا بفضل الوالدين والسعي في رد بعض الجميل لهما على إحسانهما، ودليل على كمال الدين ومحاسنه وشموليته، بخلاف قوانين البشر وشريعة الغاب التي لا تعرف للوالدين حقًّا ولا تقر لهم معروفًا ولا تعرف لها فضلًا.

ولقد أثنى الله على بر الأنبياء لوالديهم وبَيَّنَ أنه من أخص أوصافهم، وذكر بعضًا منها في كتابه المجيد لتتأسى بهم البرية، كما قال الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: ٩٠].

- فهذا نوح عليه السلام، أول رسل الله لأهل الأرض يدعو ربه قائلًا: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} [نوح: ٢٨].

- ولما زجر آزرُ ابنَه إبراهيمَ عليه السلام، وهدده بالرجم وقال له: {أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦)} [مريم: ٤٦]، كان جوابه عليه السلام: {قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: ٤٧]. وكان من دعائه عليه السلام أيضًا: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (٤١)} [إبراهيم: ٤١].

- وإسماعيل عليه السلام لما أخبره الخليل إبراهيم برؤياه قائلًا: {يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات: ١٠٢] كان الجواب بأدب جم وخلق عظيم: {يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: ١٠٢] ضاربًا بذلك أروع الأمثلة في بر الوالدين تسليمًا وانقيادًا وانصياعًا للأمر واستجابة وإعانة على تنفيذ أمر الله تعالى.

- ويوسف الصديق عليه السلام يبرهن على بره بوالديه بفعله قبل قوله بإجلاله وإكرامه

<<  <   >  >>