والحقيقة أنه يصعب الجزم بذلك، أي: بـ «القول بأن ابن لقمان كان كافرًا»، لأن دلالة القول به ظنية مأخوذة من فحوى موعظة لقمان لولده فحسب، وليس ثَمَّ دلالة قطعية تثبت دعوى كفر ابن لقمان حين وعظه تلك الموعظة، والكفر شأنه عظيم، وخطره وخَطبهُ أليم، وسوء عاقبته وخيمة، فلا يثبت إلا بدلالة قطعية الثبوت.
فالتوقف في ذلك أسلم، والقول بأنه لم يكن كافرًا قال به غير واحد من أئمة التفسير وهو أسلم وأحوط وأقرب للصواب، والله أعلم.
وإنما كان تحذير لقمان ولده من الشرك من باب الحرص على بقاء فطرته على التوحيد الخالص الذي جُبِلت وفُطِرت وخُلِقت عليه الخليقةُ، وليس من باب أنه متلبس بالشرك كما قال سبحانه:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}[الروم: ٣٠].
وحتى لا تلوث فطرته النقية السوية بلوثة الشرك ودرن الكفر، فالوصية من باب درهم وقاية خير من قنطار علاج، لا من باب كونه كان كافرًا، ولقمان قرن تحذير ولده من الشرك بعلته المقترنة به وحكمته اللازمة له كما بَيَّنَ ربنا ذلك بقوله سبحانه:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان: ١٣]، وكذلك فعل في كل وصاياه الواردة في السورة الكريمة، وفي هذا دلالة بينة على حكمة لقمان في وعظه وتعليمه وتربيته لولده.
ولا شك أن ذلك أدعى إلى قبول الولد نصح أبيه ووعظه وتعليمه والاستجابة الذاتية له.
ولا يخفى على كل مُرَبٍّ حكيم، أن التحذير من الشر قبل وقوعه من أنفع وأنجع الأساليب التربوية، إذ التربية بالتحذير من الشرك والأمر باجتنابه والبعد عنه قبل وقوعه أيسر من النهي عنه بعد التلبس به والوقوع والولوج فيه، إذ إنه قد لا يسلم من تلبس بالشرك أن تقتلع جذوره بالكلية، فقد تبقى بعض آثاره ورواسبه عالقة في النفس، وقد يشق عودتها للفطرة الأولى بيضاء نقية كما خلقها الله أول مرة، ولا شك أن الواقع يشهد لذلك.