للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما حديث ذات أنواط عنا ببعيد فعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى حُنَيْنٍ (١) -وَنَحْنُ حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ- ولِلْمُشْرِكِينَ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا، ويَنُوطُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ، قَالَ: فَمَرَرْنَا بِالسِّدْرَةِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اللهُ أَكْبَرُ، إِنَّهَا السُّنَنُ، قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف: ١٣٨]، لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» (٢).

قال الشوكاني ولم يكن من قصدهم أن يعبدوا تلك الشجرة أو يطلبوا منها ما يطلبه القبوريون من أهل القبور، فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أنّ ذلك بمنزلة الشرك الصريح، وأنه بمنزلة طلب آلهةٍ غير الله تعالى (٣). والذي يبدو جليًّا لنا أنَّ الصحابة رضي الله عنهم أجمعين إنَّما كان طلبهم بأن يجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم ذاتَ أنواط كما أن للمشركين ذاتَ أنواط، وهذا يشبه سؤالَ بني إسرائيل لموسى عليه السلام بقولهم: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: ١٣٨]، لا أنه هو الشرك بذاته؛ ذلك لأنَّ التشابه في وجهٍ أو فردٍ لا يلزم التشابه بينهما من كلِّ وجهٍ وفردٍ، وقد عذرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك لأنهم كانوا حديثي عهد بكفر. ا هـ.

والمنتقل من الباطل الذي اعتاده، لا يأمن أن يكون في قلبه بقية من تلك العادة لأن الصحابة


(١) غزوة حنين، وتسمى: غزوة أوطاس، موضعان بين مكة والطائف، فسميت الغزوة باسم مكانها، زاد المعاد: ابن القيم: محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي ثم الدمشقي، مؤسسة الرسالة: (١٤١٨ هـ/ ١٩٩٨ م)، عدد الأجزاء: خمسة أجزاء.
وحنين: هو واد إلى جانب ذي المجاز قريب من الطائف، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلًا من جهة عرفات، هذا ما اعتمده الحافظ في الفتح وغيره، رشيد رضا، تفسير المنار (١٠/ ٢١٧).
يقول الباحث: وحنين اليوم لا تعرف بهذا الاسم بل تعرف بالشرائع العليا، وهي منطقة قبيل مكة بقليل، وهي دون المواقيت، وأصبحت عامرة بالسكان والمنشآت.
(٢) أخرجه الترمذي في سننه: كتاب الفتن، باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم: (٢١٨٠)، وقال: «حسن صحيح»، وأحمد في مسنده (٢١٣٩٠)، وصححه الألباني في جلباب المرأة المسلمة (٢٠٢).
صححه في رياض الجنة برقم (٧٦).
(٣) الدر النضيد للشوكاني (٩).

<<  <   >  >>