للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (٣٤)} [الفرقان: ٣٤].

فعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أن رجلًا قال: يا نبي الله، يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة! قال: «أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرًا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة»؟! قال قتادة: بلى وعزة ربنا (١).

يقول ابن حجر: «قوله: قال قتادة: (بلى وعزة ربنا) هو موصول بالسند المذكور، والحكمة في حشر الكافر على وجهه أنه عوقب على عدم السجود لله في الدنيا بأن يسحب على وجهه في القيامة إظهارًا لهوانه بحيث صار وجهه مكان يده ورجله في التوقي عن المؤذيات» (٢).

والمتتبع لآي الذكر الحكيم والمتأمل في كلمة المشي وما اشتقت منه يجدها ذكرت في نيف وعشرين موضعًا في كتاب الله تعالى، وفي هذا دلالة على العناية بالمشي، لأنه آية من آياته سبحانه الدالة على قدرته وعظمته.

ولقمان هنا يعاود المواعظ التربوية لولده ملازمًا لقاعدة التخلية قبل التحلية، والتصفية قبل التربية، فأراد أن يخلي قلب ابنه ويصفيه من الرذائل أولًا، فنهاه عن الإعراض عن الناس وتصعير خده إليهم تكبرًا، والمشي في الأرض مرحًا مختالًا فخورًا متعاليًا، ثم أراد هنا أن يجمله ويحليه بالفضائل ثانيًا، فأمره بالمشي متواضعًا، ووجهه إلى ما ينبغي أن يكون عليه حال مشيه من التوسط والاعتدال وسلوك مسلك عباد الرحمن.

فحينما يَنْهَى المربي عن الخلق الرذيل الممنوع، فلا بد من تقديم الخلق البديل المشروع، وهذا ما فعله لقمان الحكيم عليه السلام.


(١) رواه البخاري في صحيحه - في كتاب الرقاق: باب كيف الحشر (برقم: ٤٧٦٠) وهو في كتاب تفسير القرآن، تفسر سورة الفرقان (برقم: ٤٤٨٢٩) (ص ٣٤٩) البخاري أيضًا.
(٢) فتح الباري، حديث (رقم: ٩٧٥٠) (ص ٣٩٠).

<<  <   >  >>