للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [النساء: ٦٣]، وَيُعْرَفُ الْمَزْجُورُ عَنْهُ بِمُتَعَلِّقِ فِعْلِ الْمَوْعِظَةِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الزَّجْرَ هُنَا عَنِ الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ. وَلَعَلَّ ابْنَ لُقْمَانَ كَانَ يَدِينُ بِدِينِ قَوْمِهِ مِنَ السُّودَانِ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى لُقْمَانَ بِالْحِكْمَةِ وَالتَّوْحِيدِ أَبَى ابْنُهُ مُتَابَعَتَهُ فَأَخَذَ يَعِظُهُ حَتَّى دَانَ بِالتَّوْحِيدِ، وَأَصْلُ النَّهْيِ عَنِ الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ حِينَ التَّلَبُّسِ بِالشَّيْءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَوْ عِنْدَ مُقَارَبَةِ التَّلَبُّسِ بِهِ، وَالْأَصْلُ أَنْ لَا يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ مُنْتَفٍ عَنِ الْمَنْهِيِّ» (١). اهـ.

قال ابن سعدي: «{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} [لقمان: ١٣]، أَوْ قَالَ لَهُ قَوْلًا بِهِ يَعِظُهُ وَالْوَعْظُ: الْأَمْرُ، وَالنَّهْيُ، الْمَقْرُونُ بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، فَأَمَرَهُ بِالْإِخْلَاصِ، وَنَهَاهُ عَنِ الشِّرْكِ، وَبَيَّنَ لَهُ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ١٣]. وَوَجْهُ كَوْنِهِ عَظِيمًا، أَنَّهُ لَا أَفْظَعَ وَأَبْشَعَ مِمَّنْ سَوَّى الْمَخْلُوقَ مِنْ تُرَابٍ، بِمَالِكِ الرِّقَابِ، وَسَوَّى الَّذِي لَا يَمْلِكُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْئًا، بِمَالكِ الْأَمْرِ كُلِّهِ، وَسَوَّى النَّاقِصَ الْفَقِيرَ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، بِالرَّبِّ الْكَامِلِ الْغَنِيِّ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، وَسَوَّى مَنْ لَمْ يَنْعَمْ بِمِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنَ النِّعَمِ بِالَّذِي مَا بِالْخَلْقِ مِنْ نِعْمَةٍ فِي دِينِهِمْ، وَدُنْيَاهُمْ وَأخْرَاهُمْ، وَقُلُوبِهِمْ، وَأَبْدَانِهِمْ، إِلَّا مِنْهُ، وَلَا يَصْرِفُ السُّوءَ إِلَّا هُوَ، فَهَلْ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا الظُّلْمِ شَيْءٌ؟! وَهَلْ أَعْظَمُ ظُلْمًا مِمَّنْ خَلَقَهُ اللَّهُ لِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، فَذَهَبَ بِنَفْسِهِ الشَّرِيفَةِ، فَجَعَلَهَا فِي أَخَسِّ الْمَرَاتِبِ جَعَلَهَا عَابِدَةً لِمَنْ لَا يُسَوِّي شَيْئًا، فَظَلَمَ نَفْسَهُ ظُلْمًا كَبِيرًا» (٢). اهـ.

يقول عبد الكريم الخطيب (٣): «وقد حذر لقمان ابنه من الشرك، لأنه ليس هناك ذنب أعظم


(١) التحرير والتنوير (٢٢/ ١٥٥).
(٢) ابن سعدي (٦/ ١٣٥١).
(٣) عبد الكريم محمود يونس الخطيب. باحث معروف، ومفسر، ولد في السابع عشر من مارس (مايو) (١٣٢٨ هـ) (١٩١٠ م)، في قرية «الصوامعة غرب» التابعة لمركز طهطا بمديرية جرجا، محافظة سوهاج من صعيد مصر. تعلّم في كتّاب القرية، فحفظ القرآن الكريم، ثم التحق بالمدرسة الأولية بالقرية، ثم بمدرسة المعلمين بسوهاج في عام (١٩٢٥ م)، وتخرّج فيها سنة (١٩٢٨ م)، ليعمل مدرسًا بالمدارس الأولية في منطقته. توفي في صفر سنة (١٤٠٦ هـ، عام ١٩٨٥ م).
أهم المراجع:
١ - إتمام الأعلام، د/ نزار أباظة ومحمد رياض المالح، دار صادر -ط ٢ - بيروت، (٢٠٠٣ م).
٢ - تتمة الأعلام للزركلي، محمد خير رمضان يوسف، دار ابن حزم (م ١/ ٣١٧).
٣ - المستدرك على تتمة الأعلام للزركلي (١٩٧: ٣).

<<  <   >  >>