للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الأسلوب الأبوي غاية في التلطف والتودد، مع ما فيه من بيان لما يحمله قلب الأب من معاني الحنان والمحبة والرحمة والمودة والشفقة لأحب الخلق إلى قلبه، وإنما خاطبه بألطف العبارات، بالاستِعطاف والرحمة والرأفة، وبأرق الألفاظ لتصبح الموعظة والنصيحة والوصية أدعى للقبول، وأجدى للنفع وأوقع في النفس.

وفي ذلك جذب لفؤاد ولده وفلذة كبده وترغيب وحث وتحفيز له على الاستجابة، واستمالة لفتح مسامع قلبه لتلقف ما يلقيه والده من مواعظ ونصائح بنفس راضية مطمئنة، وهي نصيحة صادقة خالصة من حظوظ النفس خالية من كل تهمة مبرأة من كل عيب ومن كل شائبة، لأنها صادرة من أب شفيق رحيم ودود حريص على صلاح ولده، فهي نصيحة خالصة صافية لا غش فيها إذ يعود نفعها أولًا على نور عينيه وفلذة كبده وثمرة فؤاده، ولا شك في تأثير تلك الموعظة في نفس الابن، وأنها وقعت بأسلوب مؤثر وفعال، وأثمرت في نفس ابنه دافعًا ذاتيًا يحمل الابن على الإذعان والانقياد لموعظة أبيه والامتثال لأمره، ولا شك أن ذلك كله راجع بعد توفيق الله لما حباه الله لهذا المربي الحكيم من الحكمة التي زكاه به ومدحه بها في كتابه الكريم، كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} [لقمان: ١٢].

يقول ابن رجب الحنبلي: «المواعظ سياط تضرب القلوب فتؤثر في القلوب كتأثير السياط في البدن، والضرب لا يؤثر بعد انقضائه كتأثير في حال وجوده؛ لكن يبقى أثر التأليم بحسب قوته وضعفه - فكلما قوي الضرب كانت مدة بقاء الألم أكثر» (١).

قال البقاعي: «وَلَمَّا كَانَ أَصْلُ تَوْفِيَةِ حَقِّ الْحَقِّ تَصْحِيحَ الِاعْتِقَادِ وَإِصْلَاحَ الْعَمَلِ، وَكَانَ الْأَوَّلُ أَهَمَّ، قَدَّمَهُ فَقَالَ: {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ} [لقمان: ١٣]، أَيْ: [لَا] تُوقِعِ الشِّرْكَ لَا جَلْيًّا وَلَا خَفِيًّا، زَادَ ذَلِكَ بِإِبْرَازِ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ الْمُوجِبِ لِاسْتِحْضَارِ جَمِيعِ صفاتِ الْجَلَالِ، تَحْقِيقًا لِمَزِيدِ


(١) لطائف المعارف (١٧).

<<  <   >  >>