للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - وفيها دعوة إلى غرس تعظيم الله وإجلاله سبحانه وخشيته في قلوب الخلق جميًعا ولا سيما في قلوب الناشئة، وبث روح المراقبة له سبحانه سرًّا وجهرًا في تلك النفوس، وهو ما قصده لقمان في موعظته لولده، فبمراقبته تعالى يكون صلاح أمر الدنيا والدين، وبمراقبته تصلح حياة الخلق معه سبحانه ومع عباده، وتصلح ذواتهم، وبمراقبته تكبح النفس جماحها وجماح شهواتها وهواها، وبمراقبته تسارع الأنفس لأداء الأمانات لأهلها والواجبات لمستحقيها.

وبمراقبته يُبرُ الآباءُ، وتُوصلُ الأرحامُ، وتُصانُ الأعراضُ، وتُحقنُ الدماءُ ويستتب الأمن ويتحقق كمال عبودية رب الأرض والسماء.

وإذا فُقِدت المراقبةُ ضل الإنسانُ الطريقَ، و ضل عن سواء الصراط وضيع الأمانة، وإذا فُقِدت المراقبةُ، انتُهكت الحرماتُ، وسُفكت الدماءُ ونُهِبت الأموالُ، وضُيعت فرائضُ اللهِ تعالى وضاعت كذلك سائر حقوق عباده.

قال ابن القيم: «فمن راقب الله تعالى في سره حفظه الله في سره وعلانيته» (١).

وقال مسروق بن الأجدع: «من راقب الله في خطرات قلبه؛ عصمه الله في حركات جوارحه» (٢).

وما تغيرت كثير من الأنفس وظهرت الخيانات وعم كثير من الفساد والبليات وحل البلاء في كثير من المجتمعات، إلا يوم أن عُدِمت مراقبةُ الله في نفوس الكثير من الخليقة والبريات.

فالمراقبة إذن من أعظم أسباب الإعانة على هجران المعاصي والمنكرات.

قال ابن الجوزي: «فقلوب الجهال تستشعر البُعْد؛ ولذلك تقع منهم المعاصي، إذ لو تحققت مراقبتهم للحاضر الناظر لكفوا الأكُفَّ عن الخطايا، والمتيقظون علموا قربه فحضرتهم


(١) مدارج السالكين (٢/ ٩٦).
(٢) ينظر: صفة الصفوة (٤/ ١٢٩).

<<  <   >  >>