للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من المخلوقين، مع ما جمعته وحوته من وقوف وانتصاب لا حركة، فيه مذلة لله، وركوع كله خضوع وخشوع لله، وسجود في ذلِ وانكسار بين يدي الله، ودعاء وابتهال وتبتل لله، وهي رأس العبادات البدنية، وهي أول ما يحاسب به العبد من عمله يوم القيامة، وهي حد فاصل بين الإسلام والكفر، كما قال ابن سعدي: «حَثَّهُ (لقمان) عَلَيْهَا، وَخَصَّهَا لِأَنَّهَا أَكْبَرُ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ» (١).

ولعظم مكانتها وجليل قدرها فرضها الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- ليلة المعراج في السموات العلى بلا واسطة؛ بخلاف سائر الشرائع السماوية؛ وأنه لم تخل منها شريعة من شرائع الله السماوية.

فدل ذلك على تأكد فرضيتها وعظم مكانتها وجليل قدرها عند الله سبحانه.

والصلوات الخمس مفروضة بدلالة الكتاب، والسنة، والإجماع.

أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: ٤٣].

وأما السنة: فقد جعَل النبي -صلى الله عليه وسلم- إقامتها رُكنًا من أركان الإسلام، ودعامة من دعائمه العظام.

- فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان» (٢).

وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة على فرضيَّتها ووجوب أدائها في اليوم والليلة خمس مرات، وأنها رُكن من أركان الإسلام، ولَم يخالف في ذلك أحدٌ من المسلمين، بل ذلك مما عُلِم من دين الله بالضرورة، وهي حدٌّ فاصل بين الإسلام والكفر، ومن جحد فرضيتها فهو كافر مرتد عن دين الله تعالى، يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل ردة، وذلك بإجماع الأمة.

ولعظم شأنها فإنها أول ما يُسأل عنه العبدُ يوم القيامة فعن عبد الله بن قرط رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أول ما يُحاسب به العبدُ يومَ القيامةِ الصلاةُ، فإنْ صلحتْ، صلح سائرُ عمله،


(١) ابن سعدي (٢٢/ ١٣٥٢).
(٢) صحيح البخاري (١/ ٢٠) (رقم: ٨)، وصحيح مسلم (١/ ٤٥) (رقم: ١٦).

<<  <   >  >>