للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ» (١).

وهذا كافٍ لنزع الكبر من النفس لمن كان له أدنى بصيرة.

قال ابن القيم: «فكلما شمخت نفسُه: ذَكَر عظمة الرب تعالى، وتفرده بذلك، وغضبه الشديد على من نازعه ذلك، فتواضعت إليه نفسه، وانكسر لعظمة الله قلبه، واطمأن لهيبته، وأخْبت لسلطانه، فهذا غاية التواضع، وهو يستلزم الأول من غير عكس. (أي: يستلزم التواضع لأمر الله ونهيه، وقد يتواضع لأمر الله ونهيه من لم يتواضع لعظمته).

والمتواضع حقيقة: من رزق الأمرين، والله المستعان» (٢).

ثانيًا: بتذكر الإنسان أصله وضعفه ومصيره

فمعرفة الإنسان أصل خلقته ومصيره، مما يعينه ويحمله على ترك الكبر، فأوله نطفة مذرة، وآخره جيفة قذرة، وهو بين ذلك يحمل بين جنبتيه العذرة، وبمثل هذا قَالَ عَلِيٌّ-رضي الله عنه-، وَقَالَ بَعْضُهُم: «مَا بَالُ مَنْ أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ مَذِرَةٌ، وَآخِرَهُ جِيفَةٌ قَذِرَةٌ، وَهُوَ بَيْنَ ذَلِكَ وِعَاءٌ لِقَذَرِهِ أَنْ يَفْخَرَ» (٣).

يقول الأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: «عَجَبًا لابْنِ آدَمَ يَتَكَبَّرُ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ مَجْرَى الْبَوْلِ مَرَّتَيْنِ» (٤).

ويقول سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه لابنه: «يا بني، إيَّاك والكبر، وليكن فيما تستعين به على تركه: علمك بالذي منه كنت، والذي إليه تصير، وكيف الكبر مع النُّطفة التي منها خُلِقْتَ،


(١) رواه البخاري (٧٤٤٤)، ومسلم (١٨٠).
(٢) الروح (٢٣٣).
(٣) شعب الإيمان للبيهقي، السابع والخمسون من شعب الإيمان وهو … (فصل في التواضع وترك الزهو والصلف والخيلاء) (برقم: ٧٧٢٧).
(٤) التواضع والخمول لابن أبي الدنيا، بَابٌ فِي الْكِبْرِ (٢٠٣)، وإحياء علوم الدين (٣/ ٣٣٨٩).

<<  <   >  >>