للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خلق هو (التواضع)، وهو انكسار القلب لله، وخفض جناح الذل والرحمة بعباده، فلا يرى له على أحدٍ فضلًا، ولا يرى له عند أحدٍ حقًّا، بل يرى الفضل للناس عليه، والحقوق لهم قِبَلَه، وهذا خلُق إنما يعطيه الله تعالى من يحبُّه، ويكرمه، ويقربه (١).

وأخيرًا: لعل هذا يكون هاديًا لكل مسترشد لا يريد علوًا في الأرض ولا فسادًا، كما قال سبحانه: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: ٨٣]. قال ابن جُرَيْج: «{لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ} [القصص: ٨٣]: تعظمًا وتجبرًا، {وَلَا فَسَادًا} [القصص: ٨٣]: عملًا بالمعاصي» (٢).

ويُخْتَمُ الكلامُ ببيان بعض هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في المشي ليكون نبراسًا يضيء الطريق لكل مسترشد راغبٍ في التأسي به والاقتداء بهديه والاستنان بسنته -صلى الله عليه وسلم- فـ: «عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ .. » (٣).

ومعنى تكفأ يوضحه قول عليٍّ رضي الله عنه حيث يقول: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا مشى تكفأ تكفُّؤًا كأنما ينحط من صبب» أَي: في موضع مُنْحدر (٤).

قال الملا على القاري:

الْمَعْنَى: يَمْشِي مَشْيًا قَوِيًّا سَرِيعًا. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: الصَّبَبُ الْحُدُورُ، وَهُوَ مَا يَنْحَدِرُ مِنَ الْأَرْضِ، يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي مَشْيًا قَوِيًّا يَرْفَعُ رِجْلَيْهِ مِنَ الْأَرْضِ رَفْعًا بَائِنًا. (٥)

وروى البغوي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَشَى، مَشَى مَشْيًا


(١) الروح (٢٣٣).
(٢) تفسير ابن كثير (٦/ ٢٥٨).
(٣) أخرجه مسلم (برقم: ٢٣٣٠).
(٤) البخاري في تاريخه (١/ ٧، ٨)، والترمذي (٣٦٣٧)، وقال: «هذا حديث حسن صحيح».
(٥) مرقاة المفاتيح (٩/ ٣٧٠٤).

<<  <   >  >>