للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨)} [الفرقان: ٦٣ - ٦٨].

يجد المتأمل هذا التلازم جليًّا للعيان، ففي الآية الأولى ذكر أخص صفتين من صفات عباد الرحمن، وهما صفتا التواضع وحسن مخاطبة الجاهلين، وهذا في الجانب الأخلاقي، ثم ثنى بوصف تهجدهم في الليل، وهذا في الجانب التعبدي، ثم ثلث بوصف شفقتهم وخوفهم من عذاب الله، وهذا جانب إيماني عقدي، فجمع بين الإيمان والإقرار باليوم الآخر والخوف من عذاب الله، وكلاهما جانب عقدي، ثم بتتابع الآيات يتجلى الأمر كذلك جليًّا ليؤكد الترابط والتلازم بين تلك الجوانب جميعًا.

المثال الخامس والأخير:

في سورة لقمان -وهي مكية- الآيات: من ١٢ إلى ١٩ - وهي موضوع بحثنا- قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥) يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦) يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩)} [لقمان: ١٢ - ١٩].

ففي مطلع الآيات ورد الأمر بنبذ الشرك، وهو أمر عقدي، وتعقبه بالأمر ببر الوالدين وهو أمر خلقي، ثم الأمر باتباع سبيل المؤمنين وهو أمر تعبدي، ثم تلاه بيان سعة علم الله واطلاعه على خلقه وهو أمر عقدي، ثم تلاه الأمر بإقام الصلاة وهو أمر تعبدي، ثم تلاه الأمر بشعيرة

<<  <   >  >>