للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقرر هذا ويوضحه ثلاثة أمور:

الأمر الأول: أن الله أمرنا بتدبر كتابه وتفهمه دون استثناء، فدخلت الحروف المقطعة في هذا الأمر، قال الله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)} [النساء: ٨٢]، وقال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤)} [محمد: ٢٤]، وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٢٩)} [ص: ٢٩]، وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨)} [المؤمنون: ٦٨].

الأمر الثاني: أن الله تعالى قد تحدى عباده من الإنس والجن بأن يأتوا بسورة من مثل هذا القرآن، وأقصر سورة ثلاث آيات، وقراء الكوفة يعدون الحروف المقطعة آية في كل سورة، و {حم (١) عسق (٢)} [الشورى: ١ - ٢] آيتان.

فلو أتوا بآيتين مكونتين من حروف مقطعة، ثم أتوا بآية من موضع آخر لأدوا ما تحداهم الله به، فلو لم يكن لها معنى لقالوا: كيف يتحدانا بكلام لا نفهمه؟ (١).

الأمر الثالث: أن الله تعالى حكيم، وهذا كلامه، فهو كلام حكيم، نزل من لدن حكيم حميد، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)} [فصلت: ٤١ - ٤٢]، فإذا كان هذا القرآن تنزيلًا من حكيم حميد، كيف يوجد في كلامه ما لا معنى له، ولم يُذْكَر لحكمة؟، قال الله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: ١].

قال العلامة السعدي: «وأما الحروف المقطعة في أوائل السور فالأسلم فيها السكوت عن التعرض لمعناها من غير مستند شرعي، مع الجزم بأن الله تعالى لم ينزلها عبثًا، بل لحكمة لا نعلمها» (٢). اهـ.


(١) ينظر: مفاتيح الغيب (٢/ ٢٥١).
(٢) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي (ص ٤٠)، ط مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ (١٤٢١ هـ ٢٠٠٠ م). وينظر: د/ محمد حسن أبو النجا- تفسير الحروف المقطعة في أوائل السور وسبب اختصاص كل سورة بالحروف التي افتتحت بها (ص ١١) وما بعدها بحث غير منشور، موقع الألوكة، (٢٩/ ٧/ ١٤٣٣ هـ -/ ٦/ ٢٠١٢ - م)، بتصرف يسير.

<<  <   >  >>