حضر مَال كثيرٌ، وَأُرِيد أَن أصيِّرَه إِلَيْك أتحصِّننَّ مَنْزِلك؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فأَعِدَّ موضعا لِلْمَالِ، وقوماً يحملونه. وَعَاد الرجل إِلَى إِيَاس، فَقَالَ لَهُ: انطلِق إِلَى صاحبِك، فاطلُب مَالك، فَإِن أَعْطَاك فَذَاك، وَإِن جحدك فقْل لَهُ: أنِّي أخُبِر القَاضِي. فَأتى الرجلُ صاحبهُ، فَقَالَ: مَالِي، وَإِلَّا أتيتُ القَاضِي، وشكوتُ إِلَيْهِ. فَدفع إِلَيْهِ مَاله، وَرجع الرّجلُ إِلَى إِيَاس فَأخْبرهُ، وَجَاء الأمينُ لموعِدِه، فزجره إياسُ وَقَالَ: لقد بَان يَا خائن. قَالَ إِيَاس لقوم من أهل مكَّة: قدمنَا بِلَادكُمْ، فَعرفنَا خِياركم، وشراركم قَالُوا: وَكَيف عَرَفْتُمْ؟ قَالَ: كَانَ مَعنا أخيارٌ، وأشرارٌ نعرِفُهم، فلحِق كلُّ جنس بِجِنْسِهِ. كَانَ إياسُ يَقُول: الخبُّ لَا يخدعُني، وَلَا يخدع ابْن سِيرِين، ويخدع الحَسن، ويخدعُ أبي. وتبصروا هِلَال شهرِ رَمَضَان وهم جماعةٌ، وَفِيهِمْ أنسُ بن مَالك وَقد قاربَ المائةَ، فَقَالَ: قد رأيتُه. فَقَالَ إياسٌ: أشِر إِلَى مَوْضِعه. فَجعل يشيرُ، وَلَا يروْنَه. وَنظر إِيَاس إِلَى أنس فَإِذا شَعرةٌ من حَاجِبه بيضاءُ قد انثنتْ، فَصَارَت على عينهِ، فمسَحها إياسٌ وسوَّاها، ثمَّ قَالَ: يَا أَبَا حمزةَ أرِنا موضِع الْهلَال. فنظرَ، فَنظر، فَقَالَ: مَا أرى شَيْئا. قَالَ رجل لإياس: هَل ترى عَليّ بأْساً إِن أكلتُ تَمرا؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَهَل ترى بأْساً إِن أكلتُ مَعَه كَيُسوماً؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَإِن شربتُ عَلَيْهِمَا مَاء؟ قَالَ: جائزٌ. قَالَ الرجل: فَلم تحرِّم السُّكر وَإِنَّمَا هُوَ مَا ذكرتْه لَك؟ فَقَالَ إِيَاس: لَو صبْبتْ عَلَيْك مَاء. هَل كَانَ يضرُّك؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَإِن نثرتُ عَلَيْك تُرَابا وتبناً، هَل كَانَ يضرُّك؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَإِن أخذتُ ذَلِك، وخلطتُه، وعجنتُه، وجعلتُ مِنْهُ لبنةً عَظِيمَة، فَضربت بهَا رأسَكَ، أَكَانَ يضُرُّك؟ قَالَ: كنت تقتلُني. قَالَ: فَهَذَا مثلُ ذَلِك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute