للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جهولاً وَلَا خرقاً. ولقى الْعَبَّاس من عَاتِكَة فِيمَا أفشى عَلَيْهَا من رؤياها أَذَى شَدِيدا. فَلَمَّا كَانَ مسَاء اللَّيْلَة الثَّالِثَة من اللَّيَالِي الَّتِي رَأَتْ فِيهَا عَاتِكَة الرُّؤْيَا جَاءَهُم الرَّاكِب الَّذِي بعث بِهِ أَبُو سُفْيَان وَهُوَ ضَمْضَم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ فَصَرَخَ: يَا آل غَالب ابْن فهر؛ انفروا فقد خرج مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَأهل يثرب لأبي سُفْيَان فاحذروا عِيركُمْ. فَفَزِعت قُرَيْش أَشد الْفَزع وَأَشْفَقُوا من رُؤْيا عَاتِكَة. وَقَالَ الْعَبَّاس: هَذَا زعمتم كذبي وَكذب عَاتِكَة. فنفروا على كل صَعب وَذَلُول، فأظفر الله رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ ببدر.

فَاطِمَة بنت عبد الْملك بن مَرْوَان

روى عَن عَطاء قَالَ: قلت لفاطمة بنت عبد الْملك: أَخْبِرِينِي عَن عمر بن عبد الْعَزِيز. قَالَت: أفعل، وَلَو كَانَ حَيا مَا فعلت. إِن عمر رَحمَه الله كَانَ قد فزع للْمُسلمين نَفسه، ولأمورهم ذهنه ٣٦١، فَكَانَ إِذا أَمْسَى مسَاء لم يفرغ فِيهِ من حوائج النَّاس فِي يَوْمه دَعَا بسراجه الَّذِي كَانَ يسرج لَهُ من مَاله ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ أقعى وَاضِعا رَأسه على يَدَيْهِ، تسيل دُمُوعه على خديه يشهق الشهقة تكَاد ينصدع لَهَا قلبه، أَو تخرج لَهَا نَفسه، حَتَّى يرى الصُّبْح. وَأصْبح صَائِما فدنوت مِنْهُ فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؛ ألشيء كَانَ مِنْك مَا كَانَ؟ قَالَ: أجل، فَعَلَيْك بشأنك، وخليني وشأني. فَقلت: إِنِّي أَرْجُو أَن أتعظ. قَالَ: إِذا أخْبرك، إِنِّي نظرت قد وجدتني وليت أَمر هَذِه الْأمة أحمرها وأسودها، ثمَّ ذكرت الْفَقِير الجائع، والغريب الضائع، والأسير المقهور، وَذَا المَال الْقَلِيل والعيال الْكثير، وَأَشْيَاء من ذَلِك فِي أقاصي الْبِلَاد، وأطراف الأَرْض، فَعلمت أَن الله عز وَجل سائلي عَنْهُم، وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجيجي، لَا يقبل الله مني فيهم معذرة، وَلَا يقوم لي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة، فرحمت وَالله يَا فَاطِمَة نَفسِي رَحْمَة دَمَعَتْ لَهَا عَيْني، ووجع لَهَا قلبِي، فَأَنا كلما ازددت ذكرا ازددت خوفًا فأيقظي أودعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>