للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَاب الْخَامِس كَلَام أبي مُسلم

قيل لَهُ: مَا كَانَ سبَب خُرُوج الدولة عَن بني أُميَّة؟ فَقَالَ: ذَلِك لأَنهم أبعدُوا أولياءهم ثِقَة بهم، وأدَنوْا أعداءَهم تأَلُّفاً لَهُم، فَلم يصر العدوُّ بالدنُّو صَديقاً وَصَارَ الصّديق بالبعاد عدُوّاً. وَقيل لَهُ فِي حداثته: إِنَّا نرَاك تأْرق كثيرا، وَلَا تنام كأَنك مُوَكلٌ برَعي الكوَاكب، وأو مُتوقِّعٌ للوَحي من المساءِ. فَقَالَ: وَالله مَا هُوَ ذَاك، وَلَكِن لي رأيٌ جوالٌ، وغريزةٌ تامةٌ، وذهنٌ صَاف، وهمة بعيدَة ونفسٌ تَتُوقُ إِلَى معالي الْأُمُور مَعَ عَيْش كعيش الهمَج والرِّعاع، وحَالٍ مُتناهية من الأتَضاع، وإنِّي لأَرى بعض هَذِه مُصِيبَة لَا تجبرُ بسهر، وَلَا تتلافى بأرق. قيل لَهُ: فَمَا الَّذِي يُبْرِدُ عَليك، ويشفي أجَاج صدرك؟ قَالَ: الظفرُ بالمُلك. وَقيل لَهُ: فاطلب. قَالَ: إِن المُلك لَا يطْلب إِلَّا بُركوب الْأَهْوَال. قيل: فاركب الأَهوال: قَالَ: هَيْهَات. الْعقل مانعٌ من ركُوب الْأَهْوَال. قيل. فمَا تصنع وَأَنت تُبْلَى حسرةً وتذوب كمداً؟ . قَالَ: سأجعَل من عَقلي بعضه جهلا، وأحاول بِهِ خطراً، لأنال بِالْجَهْلِ مَالا يُنال إِلَّا بِهِ. وأدَبِّر بِالْعقلِ مَالا يحفَظ. إِلَّا بقوته، وأعيش عَيْشًا يُبين مَكَان حَياتِي فِيهِ من مَكَان مَوتي عَلَيْهِ، فإنّ الخمول أخُوا العَدم والشُّهرةَ أَبُو الْكَوْن.

<<  <  ج: ص:  >  >>