للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الْملك بن مَرْوَان

خطب فَقَالَ: أيُّها النَّاس، اعْمَلُوا لله رَغْبَة أَو رهبةً، فَإِنَّكُم بناتُ نِعمتهِ، وحصيدُ نقمته، وَلَا تَغرسُ لكم الآمال إِلَّا مَا تجتنيه الْآجَال. وأقِلُّوا الرغْبةَ فِيمَا يورِثُ العطبَ، فكلُّ مَا تزرَعُهُ العاجلة تقلعه الآجلةُ. واحذروا الجديدين، فهما يكراَّن عَلَيْكُم باقتسام النفوسِ، وهدمِ المأسوس. كفانا الله وإياَّكم سطوة الْقدر، وأعاننا بِطَاعَتِهِ عَن الحذر من شرِّ الزَّمن، ومعضلات الفتَن. بَصق عبد الْملك، فقصر، فَوَقع بصاقه على الْبسَاط، فَقَامَ رجل فمسحهُ بِثَوْبِهِ، فَقَالَ عبدُ الْملك: أَرْبَعَة لَا يُستحيى من خدمتهم: السُّلْطَان وَالْولد، والضَّيف، وَالدَّابَّة وَأمر للرجلِ بِصِلة. اسْتَأْذن رجل عَلَيْهِ، فَأذن لَهُ، فَوقف بَين يَدَيْهِ ووعظه، فَقَالَ عبد الْملك لرجلٍ: قل للحاجب، إِذا جَاءَ هَذَا فَلَا تَمنعهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن يعرفَهُ الحاجبُ فَلَا يأذنَ لَهُ. وَقَالَ: إِنِّي لأعرف عزّة الرجل من ذلته بجلسته. وَقَالَ لَهُ ابْنه الْوَلِيد: مَا السياسة؟ قَالَ: هَيْبَة الْخَاصَّة مَعَ صدق مودَّتِها، واقتياد قُلُوب الْعَامَّة بالإنصاف لَهَا، وَاحْتِمَال هفوات الصَّنَائِع. وَدخل الشّعبِيّ عَلَيْهِ، فخطَّأه فِي مجْلِس وَاحِد فِي ثَلَاث، سَمِع الشّعبِيّ مِنْهُ حَدِيثا، فَقَالَ: أكتبنيه. فَقَالَ: نَحن معاشر الْخُلَفَاء لَا نُكْتِبُ أحدا شَيْئا. وَذكر رجلا فكنَّاه فَقَالَ: نَحن معاشر الْخُلَفَاء لَا يكنى الرِّجَال فِي مجالسنا، وَدخل إِلَيْهِ الأخطل، فَدَعَا لَهُ بكرسي. فَقَالَ: من هَذَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ فَقَالَ: الْخُلَفَاء لَا تُسْأَل، فأخجَلهُ فِي أول مقَام. وَقَالَ لِأَخِيهِ عبد الْعَزِيز حِين وجَّههُ إِلَى مصر: تفَقَّد كاتبك وحاجبك وجليسك، فَإِن الْغَائِب يُخبرهُ عَنْك كاتبك، والمتوسِّمُ يعرِفك بحاجبك وَالْخَارِج من عنْدك يعرفك بجليسك.

<<  <  ج: ص:  >  >>