للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرَأَيْنَا أَلا نعجل بإسعاف بَادِي الرَّأْي فِي قَتلهمْ، دون الِاسْتِظْهَار عَلَيْهِم بمشورتك فيهم، فارفع إِلَيْنَا مشورتك فِيمَا استشرناك فِيهِ بعد صِحَّته عنْدك، وتقليبك إِيَّاه على نظرك. وَسَلام أهل السَّلَام فَلْيَكُن علينا وَعَلَيْك.

فَأَجَابَهُ أرسطاطاليس

: للإسكندر الْمُؤَيد بالنصر على الْأَعْدَاء الْمهْدي الظفر بالملوك من أَصْغَر عبيده وأوضع خوله أرسطاطاليس الخنوع بِالسُّجُود، والتذلل فِي السَّلَام، والإذعان بِالطَّاعَةِ. أما بعد: فَإِنَّهُ لَا قُوَّة بالنطق - وَإِن احتشد النَّاطِق فِيهِ، واجتهد فِي تثقيف مَعَانِيه، وتأليف حُرُوفه - على الْإِحَاطَة بِأَقَلّ مَا يَنَالهُ الْعذر من بسطة علو الْملك، وسمو ارتفاعه عَن كل قَول، وإيتائه على كل وصف، واغترابه لكل إطناب. وَقد تقرر عِنْدِي من مُقَدمَات أَعْلَام فضل الْملك فِي مهلة سبقه، وبروز شأوه، ويمن نقيبته - مُنْذُ أدَّت إِلَى حاسة بَصرِي صُورَة شخصه، واضطرب فِي حس سَمْعِي صَوت لَفظه وَوَقع وهمي على تعقب مخارج رَأْيه، أَيَّام كنت أؤدي إِلَيْهِ من تعليمي إِيَّاه - مَا أَصبَحت قَاضِيا على نَفسِي بِالْحَاجةِ إِلَى تعلمه مِنْهُ. وَمهما يكن مني إِلَيْهِ فِي ذَلِك فَإِنَّمَا هُوَ عقل مَرْدُود إِلَى عقله، مستنبطة أَوَائِله وتواليه من علمه وحكمته، وَقد حكى لي كتاب الْملك مخاطبته إيَّايَ ومسألته لي عَمَّا لَا يتخالجني الشَّك فِي أَن لقاح ذَلِك ونتاجه من عِنْده صدر، وَعَلِيهِ كَانَ ورد. وَأَنا فِيمَا أُشير بِهِ على الْملك - وَإِن اجتهدت فِيهِ، واحتشدت لَهُ، وتجاوزت حد الوسع والطاقة مني فِي استنظافه - كَالْعدمِ مَعَ الْوُجُود، بل كَمَا لَا يتجزى فِي جنب أعظم الْأَشْيَاء، وَلَكِنِّي غير مُمْتَنع من إِجَابَة الْملك إِلَى مَا سَأَلَ على يقيني تَعْظِيم غناهُ عني وَشدَّة فَاقَتِي إِلَيْهِ، وَأَنا راد إِلَى الْملك مَا أفدته مِنْهُ، ومشير عَلَيْهِ بِمَا أَخَذته عَنهُ، فَقَائِل لَهُ: إِن لكل تربة لَا محَالة قسما من كل فَضِيلَة، وَإِن لفارس قسمتهَا من النجدة وَالْقُوَّة، وَإنَّك إِن تقتل أَشْرَافهم تخلّف الوضعاء بأعقابهم، وترث سفلتهم منَازِل عليتهم، ويغلب أدنياؤهم على

<<  <  ج: ص:  >  >>