للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَرَاتِب ذَوي أخطارهم، وَلم يبتل الْمُلُوك قطّ ببلاء هُوَ أعظم عَلَيْهِم، وأشدتوهيناً لسلطانهم من غَلَبَة السفلة وذل الْوُجُوه، فاحذر الحذر كُله أَن تمكن تِلْكَ الطَّبَقَة من الْغَلَبَة وَالْحَرَكَة، وَإِن نجم مِنْهُم بعد الْيَوْم على جندك وَأهل بلدك ناجم دهمهم مِنْهُ مَالا روية فِيهِ وَلَا بَقِيَّة مَعَه. فَانْصَرف عَن هَذَا الرَّأْي إِلَى غَيره، واعمد إِلَى من قبلك من أُولَئِكَ العظماء والأحرار فوزع بَينهم مملكتهم، وألزم اسْم الْملك كل من وليته مِنْهُم نَاحيَة، واعقد التَّاج على رَأسه، وَإِن صغر ملكه، فَإِن المتسمي بِالْملكِ لَازم لاسمه، والمعتقد التَّاج لَا يخضع لغيره، وَلَا ينشب ذَلِك أَن يُوقع بَين كل ملك مِنْهُم وَبَين صَاحبه تدابراً وتقاطعاً وتغالباً على المُلك، وتفاخراً بِالْمَالِ حَتَّى ينسوا بذلك أضغانهم عَلَيْك، وأوتارهم قبلك، وتعود حربهم لَك حَربًا بَينهم، وحنقهم عَلَيْك حنقا مِنْهُم على أنفسهم، ثمَّ لَا يزدادون فِي ذَلِك بَصِيرَة إِلَّا أَحْدَثُوا بهَا لَك استقامة، فَإِن دَنَوْت مِنْهُم دانوا لَك، وَإِن نأيت عَنْهُم تعززوا بك، حَتَّى يثبت كل ملك مِنْهُم على جَاره بِاسْمِك، ويسترهبه بجندك، وَفِي ذَلِك شاغل لَهُم عَنْك، وأمان لأحداثهم بعْدك، وَلَا أَمَان للدهر، وَلَا ثِقَة بِالْأَيَّامِ. قد أدّيت إِلَى الْملك مَا رَأَيْته لي حظاً، وعليّ حَقًا من إجَابَتِي إِيَّاه إِلَى مَا سَأَلَني عَنهُ، مَعَ أدائي النَّصِيحَة إِلَيْهِ فِيهِ، وَالْملك أَعلَى عينا، وأنفذ رويةً، وَاصل رَأيا، وَأبْعد همة فِيمَا اسْتَعَانَ بِي عَلَيْهِ، وكلفني تبيينه لَهُ، والمشورة بِهِ، فَلَا زَالَ الْملك متغرفاً من فَوَائِد النعم، وعواقب الصنع، وتوطد الْملك، وتنقل الْأَجَل، ودرك الأمل، مَا تَأتي فِيهِ مقدرته على غَايَة قصوى مَا ينَال الْبشر، وَالسَّلَام الَّذِي لَا انْقِضَاء لَهُ وَلَا انْتِهَاء وَلَا مُدَّة فَلْيَكُن على المُلك والمَلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>