وَلما اشتدت بِهِ علته؛ قَالَ لَهُ أَبُو السَّرَايَا: أوصني يَابْنَ رَسُول الله؛ فَقَالَ: الْحَمد لله رب الْعَالمين، وَصلى الله على مُحَمَّد وَآله والطيبين، أوصيط بتقوى الله فَإِنَّهَا أحصن جنَّة، وَأَمْنَع عصمَة، وَالصَّبْر فَإِنَّهُ أفضل منزلٍ وَأحمد معولٍ، وَأَن تستتم الْغَضَب لِرَبِّك، وتدوم على منع دينك، وتحسن صُحْبَة من اسْتَجَابَ لَك، وتعدل بهم عَن المزالق، وَلَا تقدم إذدام متهورن وَلَا تضجع تضجيع متهاونٍ، واكفف عَن الْإِسْرَاف فِي الدِّمَاء، مالم يوهن لَك دينا ويصدك عَن صَوَاب، وارفق بالضعفاء وَإِيَّاك والعجلة، فَإِن مَعهَا الهلكة وَاعْلَم أَن نَفسك موصولةٌ بنفوس آل مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام، ودمك مختلط بدمائهم؛ فَإِن سلمُوا سلمت، وَإِن هَلَكُوا هَلَكت؛ فَكُن على أَن يسلمُوا أحرص مِنْك على أَن يعطبوا؛ وقر كَبِيرهمْ، وبر صَغِيرهمْ، وَاقْبَلْ رَأْي عالمهم. وَاحْتمل هفوةً إِن كَانَت من جاهلهم يرع الله حَقك، واحفظ قرابتهم يحسن الله نصرك، وول النَّاس الْخيرَة لأَنْفُسِهِمْ فِيمَن يقوم مقامى لَهُم من آل عَليّ؛ فَإِن اخْتلفُوا فَالْأَمْر إِلَى عَليّ بن عبد الله؛ رضيت دينه ورضيت طَرِيقَته فارضوا بِهِ، وأحسنوا طَاعَته تحمدوا رَأْيه وبأسه. وخطب النَّاس يَوْمًا، فَقَالَ بعد أَن حمد الله وَأثْنى عَلَيْهِ: عباد الله، إِن عين الشتات تلاحظ الشمل بالبتات، وَإِن يَد الفناء تقطع مُدَّة الْبَقَاء، فَلَا يكبحنكم الركون إِلَى زهرتها عَن التزود لمقركم مِنْهَا؛ فَإِن مَا فِيهَا من عيمٍ بائد، والراحل عَنْهَا غير عَائِد. وَمَا بعْدهَا إِلَّا جنةٌ تزلف لِلْمُتقين، أَو نارٌ تبرز للغاوين. " من عمل صَالحا فلنفسه وَمن أَسَاءَ فعلَيْهَا وَمَا رَبك بظالمٍ للعبيد ".
جمَاعَة من الْأَشْرَاف العلوية
كَانَ يحيى بن الْحُسَيْن يُسمى ذَا الدمعة، وَكَانَت عينه لَا تكَاد تَجف من الدُّمُوع، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: وَهل ترك السهْمَان فِي مضحكا، يَعْنِي: السهْم الَّذِي رمى بِهِ زيد - رَحمَه الله - والسهم الَّذِي رمى بِهِ يحيى بن زيد. كَانَ عِيسَى بو زيد - رَحمَه الله - خرج مَعَ النَّفس الزكية مُحَمَّد بن عبد الله، وَأَشَارَ عَلَيْهِ لما كثر عَلَيْهِ الْجَيْش أَن يلْحق بِالْيمن، فَإِن لَهُ هُنَاكَ شيعَة، وَطَلَبه