للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ: فَمَا حملك على ذَلِك؟ قَالَت: لَا تعدم الْحَسْنَاء ذاماً. والساخط لَيْسَ براض. وَمَعَ ذَلِك فَمَا عدوت فِيمَا قلت لَك أَن نسبتك إِلَى التَّوَاضُع وَالدّين، وعدوك إِلَى الْخُيَلَاء والطمع. وَلَئِن ذاقوا وبال أَمرهم لتحمدن عَاقِبَة شَأْنك، وَلَيْسَ من قَالَ فكذب كمن حدث وَصدق. وَأَنت بالتجاوز جدير، وَنحن للعفو أهل فاستر على الْحُرْمَة، تستتم النِّعْمَة، فوَاللَّه مَا يرفعك القَوْل وَلَا يضعك. وَإِن قُريْشًا لتعلم أَنَّك عابدها وشجاعها، وسنانها ولسانها، حاط الله لَك دنياك، وعصم أخراك، وألهمك شكر مَا أولاك. ذكر الْأَصْمَعِي عَن أبان بن تغلب قَالَ: خرجت فِي طلب الْكلأ، فانتهيت إِلَى مَاء من مياه كلب، وَإِذا أَعْرَابِي على ذَلِك المَاء وَمَعَهُ كتاب منشور يَقْرَؤُهُ عَلَيْهِم، وَجعل يتوعدهم. فَقَالَت لَهُ أمه وَهِي فِي خبائها. وَكَانَت مقعدة كبرا: وَيلك! دَعْنِي من أساطيرك. لَا تحمل عُقُوبَتك على من لم يحمل عَلَيْك، وَلَا تتطاول على من لَا يَتَطَاوَل عَلَيْك. فَإنَّك لَا تَدْرِي مَا يقربك إِلَيْهِ حوادث الدهور، وَلَعَلَّ من صيرك إِلَى هَذَا الْيَوْم أَن يصير غَيْرك إِلَى مثله غَدا، فينتقم مِنْك أَكثر مِمَّا انتقمت ٣٧٧ مِنْهُ، فَاكْفُفْ عَمَّا أسمع مِنْك ألم تسمع إِلَى قَول الأول: لَا تحقرن الْفَقِير علك أَن ... تركع يَوْمًا والدهر قد رَفعه

وَصِيَّة أعرابية

قَالَ مهْدي بن أبان: قلت لولادة العبدية - وَكَانَت من أَعقل النِّسَاء - إِنِّي أُرِيد الْحَج فأوصيني. قَالَت: أوجز فأبلغ، أم أطيل فأحكم. فَقلت: مَا شِئْت. قَالَت: جد تسد، واصبر تفز. قلت: أَيْضا. قَالَت: لَا يَتَعَدَّ غضبك حلمك، وَلَا هَوَاك علمك، وَفِي دينك بدنياك، وفر عرضك بعرضك، وتفضل تخْدم، واحلم تقدم. قلت: فَمن أستعين؟ قَالَت: الله. قلت: من النَّاس؟ قَالَت: الْجلد النشيط، والناصح الْأمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>