للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَاب الرَّابِع عشر فِي الْكَذِب

قَالَ دَغْفَل: حمى النُّعْمَان ظهر الْكُوفَة، وَمن ثمَّ قيل: شقائق النُّعْمَان، فَخرج يَوْمًا يسير فِي ذَلِك الظّهْر، فَإِذا هُوَ بشيخ يخصف النَّعْل. فَقَالَ: مَا أولجك هَاهُنَا؟ قَالَ: طرد النُّعْمَان الرعاء، فَأخذُوا يَمِينا وَشمَالًا، فانتهيت إِلَى هَذِه الوهدة فِي خلاءٍ من الأَرْض، فنتجت الْإِبِل، وَولدت الْغنم، وامتلأت السّمن. والنعمانً معتم لَا يعرفهُ الرجل. قَالَ: أوما تخَاف النُّعْمَان؟ قَالَ: وَمَا أَخَاف مِنْهُ لربما لمست بيَدي هَذِه بَين عانة أمه وسرتها، فأجده كَأَنَّهُ أرنب جاثم، فهاج النُّعْمَان غَضبا وسفر عَن وَجهه، فَإِذا خَرَزَات الْملك، فَلَمَّا رَآهُ الشَّيْخ قَالَ: أَبيت اللَّعْن! ، لَا تَرَ أَنَّك ظَفرت بِشَيْء، قد علمت الْعَرَب أَنه لَيْسَ بَين لابتيها شيخ أكذب مني. فَضَحِك النُّعْمَان وَمضى. سَمِعت الصاحب رَحْمَة الله عَلَيْهِ، يَحْكِي عَن الْوَزير أبي مُحَمَّد المتنبي أَن بعض الْأَحْدَاث من أهل بَغْدَاد من أَوْلَاد أَرْبَاب النعم فَارق أَبَاهُ مستوحشاً، وَخرج إِلَى الْبَصْرَة، وَكَانَ فِي الْفَتى أدب وظرف وَفضل، فَدَخلَهَا وَقد انْقَطع عَنهُ، وتحير فِي أمره، فَسَأَلَ عَمَّن يستعان بِهِ من أَهلهَا من الْفُضَلَاء، فوصف لَهُ نديم الْأَمِير، كَانَ بهَا فِي ذَلِك الْوَقْت من المهالبة فقعده وَعرض عَلَيْهِ نَفسه وعرفه أمره فَقَالَ لَهُ: أَنْت من أصلح النَّاس لمنادمة هَذَا الْأَمِير، وَهُوَ أحْوج النَّاس إِلَيْك إِن صبرت مِنْهُ على خلة واحدةٍ فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: هُوَ رجل مشغوف بِالْكَذِبِ لَا يصبر عَنهُ، وَلَا يفِيق مِنْهُ، وَلَا بُد لَك من تَصْدِيقه فِي كل شيءٍ يَقُوله، وكل كذب يختلقه، لتحظى بذلك عِنْده، وَإِن لم تفعل ذَلِك لم أَمنه

<<  <  ج: ص:  >  >>