للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَاب التَّاسِع عشر نَوَادِر أَصْحَاب المهن والصناعات الخسيسة

حج رجل من أهل الْعرَاق، فَتقدم إِلَى مزيّن وَقَالَ لَهُ: احْلق رَأْسِي حلقا جيدا، واستقبل الشّعْر بِالْمُوسَى، وَأَقْبل يصف لَهُ كَيفَ يعْمل. فَقَالَ لَهُ: حَسبك {هوذا، أحلق رَأسك حلقا لَا يرَاهُ أحد إِلَّا اشْتهى أَن يصفعك. حدّث بَعضهم قَالَ: نكب بعض ندماء الْخَلِيفَة نكبةً اضْطر مَعهَا إِلَى الاستتار، فاستتر وَطَالَ شعره، فَقَالَ للرجل الَّذِي كَانَ مستتراً عِنْده: قد كَانَ لي غُلَام سنديّ مزين أَعتَقته وَلَا أعرف خَبره مُنْذُ حِين، واذهب إِلَى مَوضِع كَذَا واطلبه، واجلس إِلَيْهِ، ثمَّ اذْكُرْنِي لَهُ؛ فَإِن رَأَيْته يتوجع لي فعرفّه مَكَاني، وَخذ بِهِ مَعَك، وَإِن رَأَيْته يذمني أَو يشكوني فَدَعْهُ وَلَا تذكرني لَهُ. فَذهب الرجل حَتَّى لقِيه وجاراه فِي خبر مَوْلَاهُ. فَقَالَ: يَا سَيِّدي، وَمن أَيْن تعرفه؟ فَإِنِّي - وَالله - تَالِف شوقاً إِلَيْهِ، واغتماماً لَهُ، أحسن الله صحبته حَيْثُ كَانَ. فَقَالَ الرجل: هُوَ عِنْدِي، وَقد استدعاك، فَنَهَضَ السندي وقبّل يَد الرجل، وَصَارَ مَعَه إِلَيْهِ، فَلَمَّا دخل إِلَيْهِ أظهر سُرُورًا بِهِ، وقبّل الأَرْض بَين يَدَيْهِ، وَأخذ شعره وَحَجمه، فَأعْطَاهُ دِينَارا. فَلَمَّا خرج لَقِي ابْنا لَهُ، فَقَالَ لَهُ: وَيحك} أَلَيْسَ وجّه إليّ فلَان مولَايَ وَهُوَ مستتر فِي دَار فلَان فِي الْموضع الْفُلَانِيّ، فصرت إِلَيْهِ وخدمته وحجمته النقرة وَأَعْطَانِي دِينَارا؟ فَقَالَ لَهُ ابْنه ذَلِك: حجمته النقرة بِلَا أخدعين؟ قتلته! وَلَيْسَ هَذَا حقّه علينا، وَمَا عرّج على شَيْء حَتَّى قصد الدَّار الَّتِي وصفهَا لَهُ أَبوهُ، ودقّ الْبَاب، وَقَالَ: أَنا فلَان ابْن خادمك المزيّن، ففتحوا لَهُ، وقبّل يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ، واظهر من الاغتمام بأَمْره، مثل مَا أظهره أَبوهُ، ثمَّ قَالَ: عرّفني غلامك أبي أَنه حجمك النقرة وَحدهَا، وَهَذَا وَقت حَار، وَقد ثار الدَّم. وَالْوَجْه أَن تُحجم الأخدعين. فَقَالَ لم يكن بِي إِلَى هَذَا حَاجَة، والآن وَقد أَشرت بِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>