للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غلسا، فمررت بِمَسْجِد قد أُذّن فِيهِ لصَلَاة الْفجْر، فَقلت: أَقْْضِي هَذِه الْعِبَادَة، ثمَّ أتوجه لحاجتي، فَدخلت، فاقام الْمُؤَذّن، ودخلنا فِي الصَّلَاة، فابتدأ الإِمَام فَقَرَأَ الْفَاتِحَة، وافتتح سُورَة الْبَقَرَة، فَقلت: لَعَلَّه يُرِيد أَن يقْرَأ آيَات من هَذِه السُّورَة فَانْتهى إِلَى آخرهَا فِي الرَّكْعَة الأولى، ثمَّ قَامَ إِلَى الثَّانِيَة، فَلم أَشك فِي أَنه يقْرَأ مَعَ الْفَاتِحَة سُورَة الْإِخْلَاص. فَافْتتحَ سُورَة آل عمرَان حَتَّى أتمهَا، ثمَّ أقبل بِوَجْهِهِ على النَّاس، وَقد كَادَت الشَّمْس تطلع. فَقَالَ: أعيدوا صَلَاتكُمْ - رحمكم الله - فَإِنِّي لم أكن على طَهَارَة، فَقُمْت إِلَيْهِ وصفعته. فَضَحِك المتَوَكل من ذَلِك. خطب عتّاب بن وَرْقَاء، فَقَالَ: هَذَا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: إِنَّمَا يتفاضل النَّاس بأعمالهم، وكلّ مَا هُوَ آتٍ قريب. قَالُوا لَهُ: إِن هَذَا لَيْسَ من كتاب الله. قَالَ: مَا ظَنَنْت إِلَّا أَنه من كتاب الله. قَرَأَ إِمَام سُورَة ق فِي صَلَاة الْفجْر، وَخَلفه أَعْرَابِي لَهُ حَاجَة فَلَمَّا بلغ الإِمَام قَوْله تَعَالَى: " هَل من محيص "؟ قَالَ الْأَعرَابِي: لَا وَالله أَو أُخْرَى فِي ثِيَابِي. صعد بعض الْوُلَاة الْمِنْبَر ليخطب فِي يَوْم الْجُمُعَة، فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ حصر، فَلم يدر مَا يَقُول، ثمَّ قَالَ: معاشر الْمُسلمين، تَدْرُونَ مَا أُرِيد أَن أَقُول لكم؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَإِذا لم تدروا فلماذا أتعب نَفسِي؟ وَنزل. فَلَمَّا كَانَ فِي يَوْم الْجُمُعَة الثَّانِيَة اجْتمع النَّاس وَقَالُوا: نقُول لَهُ: نعم، إِن قَالَ لنا مَا قَالَ فِي الْجُمُعَة الأولى. فَصَعدَ الْمِنْبَر وَقَالَ: معاشر النَّاس، تَدْرُونَ مَا أَقُول لكم؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: فَإِذا كُنْتُم تَدْرُونَ فلماذا أرذي نَفسِي؟ وَنزل. فَلَمَّا كَانَت فِي الْجُمُعَة الثَّالِثَة قَالَ مثل قَوْله. فَقَالَ بعض النَّاس: لَا. وَقَالَ بَعضهم: نعم. قَالَ فَلْيقل من يعلم لمن لَا يعلم، وَنزل. صلّى الرشيد لَيْلَة فَقَرَأَ " وَمَالِي لَا أعبد الَّذِي فطرني "؟ وأُرتج عَلَيْهِ، فكرّر مرَارًا، وَابْن أبي مَرْيَم يُصَلِّي خَلفه، فصاح: لَا أَدْرِي وَالله! فَضَحِك الرشيد حَتَّى قطع صلَاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>