للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فصل آخر]

وَمَا الْحق إِلَّا حق الله، فَمن أَدَّاهُ فلنفسه، وَمن قصر عَنهُ فعلَيْهَا. نسْأَل الله أَن يعمرنا بِالْحَقِّ، ويصلحنا بالتوفيق ويخصنا بالتقوى.

فصل آخر لَهُ

وصلني كتابك السار المؤنس؛ فَكَانَ أسر طالع إِلَيّ، وَأحسنه موقعاً مني، إِذْ كنت أستعلي بعلوك، وَأرى نِعْمَتك تنحط إِلَيّ، ويتصل بِي مِنْهَا مَا يتَّصل بالأدنين من لحمتك، وَحَملَة شكرك ومظان مَعْرُوفك، والمقيمين على تأميلك، فَلَا أعد مني الله مَا منحني مِنْك، وَلَا أَزَال عني ظلك، وَلَا أفقدني شخصك. وَكتب إِلَى الْمَأْمُون: لَوْلَا أَن يَدي أَشْجَع عَلَيْهِ من لساني لشافهته بحاجتي. وَلما أَدخل على الْمَأْمُون عِنْد الظفر بِهِ سلم عَلَيْهِ، وَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، ولي الثأر مُحكم فِي الْقصاص، وَالْعَفو أقرب للتقوى، وَمن مد لَهُ فِي الأناة حسن عِنْده الذَّنب، وَقد جعلك الله فَوق كل ذى ذَنْب كَمَا جعل كل ذِي ذَنْب دُونك، فَإِن عَاقَبت فبحقك، وَإِن عَفَوْت فبفضلك. فَقَالَ الْمَأْمُون: يَا إِبْرَاهِيم، إِنِّي شاورت الْعَبَّاس ابْني، وَأَبا إِسْحَاق أخي فِي أَمرك، فأشارا عَليّ بقتلك إِلَّا أَنِّي وجدت قدرك فَوق ذَنْبك، فَكرِهت الْقَتْل للازم حرمتك. فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، قد نصح المشير لما جرت بِهِ الْعَادة فِي السياسة، وحياطة الْخلَافَة إِلَّا أَنَّك أَبيت أَن تطلب النَّصْر إِلَّا من حَيْثُ عودته من الْعَفو، فَإِن عَاقَبت فلك نَظِير، وَإِن عَفَوْت فَلَا نَظِير لَك، فَإِن جُرْمِي أعظم من أَن أنطق فِيهِ بِعُذْر، وعفو أَمِير الْمُؤمنِينَ أجل من أَن يَفِي بِهِ شكر. فَقَالَ الْمَأْمُون: مَاتَ الحقد عِنْد هَذَا الْعذر. فاستعبر إِبْرَاهِيم، فَقَالَ الْمَأْمُون: مَا شَأْنك؟ قَالَ: النَّدَم، إِذْ كَانَ ذَنبي إِلَى من هَذِه صفته فِي الإنعام عَليّ، ثمَّ قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّه وَإِن بلغ جُرْمِي

<<  <  ج: ص:  >  >>