للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْك. فَقَالَ الْفَتى: أَنا أفعل ذَلِك واحتذ من رسمك فِيهِ، وَلَا تجاوزه فوصفه هَذَا النديم لصَاحبه، فَقَالَ: لَا يكونن بغدادياً سيئ الْأَدَب، فضمن عَنهُ حسن الْأَدَب، وَإِقَامَة شُرُوط الْخدمَة. فَاسْتَحْضرهُ وَحضر، وأعجب بِهِ، وخلع عَلَيْهِ، فَحملت إِلَيْهِ صلَة من الثِّيَاب وَالدَّرَاهِم وَغَيرهَا، وَوضعت بَين يَدَيْهِ وواكله وأحضر مجْلِس أنسه وَهُوَ فِي أثْنَاء ذَلِك يَأْتِي بالعظائم من الْكَذِب فيصدقه إِلَى أَن قَالَ مرّة - وَقد أَخذ الشَّرَاب من الْفَتى - إِن لي عَادَة فِي كل سنة أَن أطبخ قدرا كَبِيرَة وَقت وُرُود حَاج خُرَاسَان، وأدعوهم وأطعمهم جَمِيعهم من تِلْكَ الْقدر الْوَاحِدَة، فتحير الْفَتى وَقَالَ: أَي شَيْء هِيَ هَذِه الْقدر بادية الْعَرَب؟ دهناء تَمِيم؟ بَحر قلزم؟ ! فَغَضب الْأَمِير، وَأمر بتمزيق الْخلْع عَلَيْهِ وطرده فِي بعض اللَّيْل، وَأَقْبل على النديم يعنفه ويلومه، وَعَاد الْفَتى إِلَى بَاب النديم، وَبَات عَلَيْهِ إِلَى أَن أصبح، وَعَاد الرجل إِلَى منزله، فَدخل إِلَيْهِ وَاعْتذر بالسكر، وَضمن أَن لَا يعود لمثل ذَلِك، فَعَاد إِلَى صَاحبه وَحسن أمره وَقَالَ: أَنه كَانَ بعيد عهدٍ فِي الشَّرَاب، وَعمل النَّبِيذ فِيهِ عملا لم يشْعر مَعَه بشيءٍ مِمَّا جرى. وَأَنه بكر إِلَى سير، فَرَآهُ اللُّصُوص عِنْد عوده فعارضوه وَأخذُوا مِنْهُ حلَّة الْأَمِير ومانعهم فمزقوا عَلَيْهِ خلعة، فرسم بإعادته إِلَى الْمجْلس، وأضعف لَهُ فِي الْيَوْم الثَّانِي الْجَائِزَة والخلعة وَجعل الْفَتى يتَقرَّب بأنواع التَّقَرُّب إِلَيْهِ، وَإِذا كذب الْأَمِير صَدَقَة، وَحلف عَلَيْهِ. إِلَى أَن جرى ذكر الْكلاب الربيبة وَالصغَار فَقَالَ الْأَمِير: قد كَانَ عِنْدِي مِنْهَا عدَّة فِي غَايَة الصغر، حَتَّى أَتَى لأمر بِأَن تلقى فِي المكحلة، وَكَانَ لي مضحك أعبث بِهِ، فَأمرت أَن يكحل من تِلْكَ المكحلة إِذا قَامَ وسكر وَكَانَ إِذا أصبح وأفاق من سكره يرى تِلْكَ الْكلاب وَهِي تنبح فِي عينه وَلَا يقدر عَلَيْهَا لصغرها. قَالَ: فَقَامَ الْفَتى وخلع الثِّيَاب المخلوعة عَلَيْهِ، وَترك الْجَائِزَة وَعَاد عُريَانا. قَالَ: لَا صَبر لي على كلابٍ تنبح من أجفان الْعين، اعْمَلْ بِي مَا شِئْت، وَفَارق الْبَصْرَة، وَعَاد إِلَى بَغْدَاد. قَالَ الْمَدَائِنِي كَانَ عندنَا بِالْمَدَائِنِ رجل يُقَال لَهُ: دينارويه وَكَانَ خبيثاً، قَالَ لَهُ وَالِي الْمَدَائِن: إِن كذبت كذبةً لم أعرفهَا فلك عِنْدِي زق شراب ودراهم وَغَيرهمَا. قَالَ لَهُ دينارويه: هرب لي غلامٌ فَغَاب عني دهراً لَا أعرف لَهُ خَبرا

<<  <  ج: ص:  >  >>