للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتب الْإِسْكَنْدَر من بِلَاد فَارس إِلَى أرسطاطاليس: من الْإِسْكَنْدَر الْملك إِلَى الأرسطاطاليس الْحَكِيم، عَلَيْك منا السَّلَام. أما بعد: فَإِن دوائر الْأَسْبَاب ومواقع الْعِلَل وَإِن كَانَت أسعدتنا بالأمور الَّتِي أصبح النَّاس لنا بهَا دائنين، فَإنَّا جد واجدين لمس الِاضْطِرَار إِلَى حكمتك، غير جاحدين للإقرار بِفَضْلِك، والاستتامة إل مشورتك، والاجتباء لرأيك، والاعتقاد لأمرك ونهيت، لما بلونا من جداء ذَلِك علينا، وذقنا من جنى منفعَته، حَتَّى صَار ذَلِك بنخوعه فِينَا، وترشيحه لعقولنا، كالغذاء لنا، فَمَا ننفك نعول عَلَيْهِ، ونستمد مِنْهُ، كاستمداد الجداول من البحور، وتحويل الْفُرُوع على الْأُصُول، وَقُوَّة الأشكال بالأشكال. وَقد كَانَ فِيمَا سبق إِلَيْنَا من النَّصْر والفلج، وأتيح لنا من الظفر والقهر، وبلغناه من الْعَدو من النكاية، مَا يعجز القَوْل عَن وَصفه، وَيقصر الشُّكْر للمنعم على الإنعام بِهِ. وَإنَّهُ كَانَ من ذَلِك أَنا جاوزنا أَرض سَرِيَّة والجزيرة وبابل إِلَى أَرض فَارس، فَلَمَّا حللنا بعقوة أَهلهَا وساحة بِلَادهمْ لم يكن ذَلِك إِلَّا ريثما أَن تلقانا نفر مِنْهُم بِرَأْس ملكهم هَدِيَّة إِلَيْنَا، وطلباً للحظوة عندنَا، فَأمرنَا بصلب من جَاءَ بِهِ وشهرته؛ لسوء بلائه، وَقلة ارعوائه ووفائه. ثمَّ أمرنَا بِجمع من كَانَ هُنَالك من أَبنَاء مُلُوكهمْ وأحرارهم وَذَوي الشّرف مِنْهُم، فَرَأَيْنَا رجَالًا عَظِيمَة أجسامهم وأحلامهم، حَاضِرَة ألبابهم وأذهانهم، رائعة مناظرهم ومناطقهم، دَلِيلا مَا ظهر من روائهم أَن وَرَاءه من قُوَّة أَيْديهم، وَشدَّة بأسهم وتحديهم، مَا لم يكن ليَكُون لنا مَعَه سَبِيل إِلَى غلبتهم، وإعطابهم بِأَيْدِيهِم، لَوْلَا أَن الْقَضَاء أدالنا مِنْهُم، وأظفرنا بهم، وأظهرنا عَلَيْهِم، وَلم نر بَعيدا من الرَّأْي فِي أَمرهم أَن نستأصل شأفتهم، ونجتث أصلهم، ونلحقهم بِمن مضى من أسلافهم، لنسكن الْقُلُوب بذلك إِلَى الْأَمْن من جرائرهم وبوائقهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>