للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما بعد، فقد بَلغنِي كتابُكَ، تذكر من مودَّتِك مَا أَرَاك صَادِقا، فغُنْماً أصبت، وبحظِّك أخذْتَ، ونفسَكَ زكَّيْتَ، لأناَّ ناسٌ قد جعل الله حميدا حُبنا إِيمَانًا، وبُغْضنا نفَاقًا. وَأما مَا أطْنَبْتَ فِيهِ من ذكرُ شرفنا، وقديم سلفنا، فَفِي مدحِ الله لنا وذكرِهِ إيانا فِي كتابهِ الْمنزل، وقرآنه المفصَّل على نبيه - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا أغْنى بِهِ عَن مدح غَيره من المخلوقين، فَأَما مَا ذكرْتَ من إيثارك إيَّايَ بابنك عبد الْملك على الْأَكفاء من ولد أَبِيك، فحظِّي مِنْك مردودٌ عَلَيْهِم، موفَّرٌ لَهُم غير مشاحٍّ فِيهِ، وَلَا منافَسِ عَلَيْهِ، وَأما مَا ذكرتَ من بذْلِك لي من بَيت المَال قبلي، وَبِمَا نطق بِهِ لساني، وترنَّمتْ بِهِ شفتاي، وبلغه مناى، فلعمري لقد أصبح حظي فِيهِ - والحمدُ لله - أوفرَ من حظِّكَ، وسهْمي فِيهِ أجزلَ من سهمِكَ، وأمري فِيهِ أجوزَ من أمركَ، وبعدُ: فَلَو أنَّ نَفسِي طاوعتني لأصبَحتْ ... لَهَا حفَدٌ مِمَّا يُعَدَّ كثيرُ وَلكنهَا نفسٌ عليَّ كريمةٌ ... عَيوفٌ لأصهارِ اللئامِ قذورُ فِي أبياتٍ أُخر قَالَ مُعَاوِيَة لمروان: منْ تَرى لأهل الْعرَاق؟ قَالَ: من لَا يَفْحجُ الحلوبَ حَتَّى تدنوَ الدِّرَّة، ولايدني العلبة َ حَتَّى تمسَحَ الضرَّةَ. وَقَالَ مَرْوَان لِابْنِهِ: آثر الْحق، وحصِّنْ مملكتَكَ بِالْعَدْلِ، فإنهُ سورها المنيع الَّذِي لَا يُغْرِقُهُ ماءٌ، وَلَا تحرقُهُ نارٌ، وَلَا يهدِمُهُ منجنيق. وَذكر أَبُو هُرَيْرَة مُعَاوِيَة فِي مجْلِس فِيهِ مَرْوَان فاغتابه، ثمَّ خَافَ أَن يبلُغَ مُعَاوِيَة ذَلِك، فَقَالَ: إنَّ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: " المجالسُ بالأمانة " وَسَأَلَ مَرْوَان أَن يكتم عَلَيْهِ. فَقَالَ مروانُ: وَالله. لما ركبت مني فِي ظنِّك بِي أنيِّ أنقُلُ حديثكَ أعظَمُ ممَّا ركبتَ من مُعَاوِيَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>