للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستريح فِيهَا الْغَالِب، ويحتال فِيهَا المغلوب، وذكرتَ أَن فِي الجمام مَا يُنسي الْقَتْلَى، ويْبرِئُ الْجراح. وهيهات أنْ يُنَسى مَا بَيْننَا وَبينهمْ تأْتي ذَلِك قَتْلَى لم تُجَن، وقروح لم تُتَقرف. وَنحن وَالْقَوْم على حَالة وهم يرقبُون منا حَالات، وَإِن طمعُوا حَاربُوا، وَإِن مَلُّوا وقفُوا، وَإِن يئُسوا انصرَفوا، وعلينا أَن نقاتلهم إِذا قَاتلُوا، ونتحرز إِذا وَقفُوا، ونطلب إِذا هربوا، فإنْ تَرَكتنِي والرأي كَانَ القِرن مفصُوما، والداءُ - بِإِذن الله - محسُوماً، وَإِن أعجَلتني لم أطعك، وَلم أعص، وَجعلت وَجْهي إِلَى بابك وَأَنا أعوذ بِاللَّه من سَخط الله عزّ وَجل ومَقت النّاس {وخطبَ يزيدُ بن الْمُهلب بواسط} فَقَالَ: يَا أهل الْعرَاق، يَا أصحَاب السَّبق والسِّباق، وَمَكَارِم الْأَخْلَاق. إِن أهل الشَّام فِي أفوَاههم لقمةٌ دَسمةٌ قد زيِّنت لَهَا الأشداق، وقامُوا لَهَا على سَاق، وهم غير تاركيها لكم بالمراءِ والجدال، فالْبُسوا لَهُم جُلودَا النمر. وَقيل للمهلب فِي بعض حروبه: لَو نمت. فَقَالَ: إِن صَاحب الْحَرْب إِذا نَام نامَ جَدُّه. وَقَالَ كفى بِالْمَرْءِ مَسْأَلَة أَن يغدُوَ عَلَيْك ويرُوح. وَقَالَ لَهُ رجل: إِن لي حَاجةً لَا ترزؤك فِي مَالك، وَلَا تنكُدُك فِي نَفسك قَالَ: وَالله لَا قَضَيتْها. قَالَ: ولمَ؟ قَالَ: لِأَن مثلي لَا يسال مثلهَا. وَقَالَ: مَا السَّيْف الصارم فِي كف الشجاع بِأَعَز من الصِّدق؟ وَمر بِقوم من ربيعَة فِي مجْلِس لَهُم، فَقَالَ رجلٌ من الْقَوْم: هَذَا سَيِّدُ الأزد، قيمتُه خَمْسمِائَة دِرْهَم. فَسَمعهُ الْمُهلب، فَأرْسل إِلَيْهِ بِخَمْسِمِائَة دِرْهَم. قَالَ: دُونك يَا ابنُ، قيمةَ عمِّك، وَلَو كنت زِدْت فِيهَا لزدتك.

<<  <  ج: ص:  >  >>