للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَأَيْت رَاكِبًا أقبل على رَاحِلَة من أَعلَى مَكَّة يَصِيح بِأَعْلَى صَوته: يَا آل غدر، اخْرُجُوا فِي لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاث، ثمَّ أقبل يَصِيح حَتَّى دخل الْمَسْجِد على رَاحِلَته، فصاح ثَلَاث صيحات، وَمَال عَلَيْهِ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالصبيان، وفزع النَّاس لَهُ أَشد الْفَزع. قَالَت: ثمَّ أرَاهُ مثل ظهر الْكَعْبَة على رَاحِلَته فصاح ثَلَاث صيحات فَقَالَ: يَا آل غدر، يَا آل فجر اخْرُجُوا فِي لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاث. ثمَّ أرَاهُ مثل عَليّ أبي قبيس كَذَلِك يَقُول: يَا آل غدر وَيَا آل فجر حَتَّى أسمع من بَين الأخشبين من أهل مَكَّة، ثمَّ عمد لصخرة عَظِيمَة فنزعها من أَصْلهَا ثمَّ أرسلها على أهل مَكَّة، فَأَقْبَلت الصَّخْرَة لَهَا حس شَدِيد، حَتَّى إِذا كَانَت عِنْد أصل الْجَبَل ارفضت، فَلَا أعلم بِمَكَّة بَيْتا وَلَا دَارا إِلَّا وَقد دَخَلتهَا فلقَة من تِلْكَ الصَّخْرَة. فقد خشيت على قَوْمك. فَفَزعَ من رؤياها الْعَبَّاس ثمَّ خرج من عِنْدهَا، فلقي الْوَلِيد بن عقبَة بن أبي ربيعَة من آخر تِلْكَ اللَّيْلَة، وَكَانَ خَلِيلًا للْعَبَّاس، فَقص عَلَيْهِ رُؤْيا عَاتِكَة وَأمره أَلا يذكرهَا لأحد، فَذكرهَا لِأَبِيهِ عتبَة، وَذكرهَا عتبَة لِأَخِيهِ شيبَة، فارتفع الحَدِيث حَتَّى بلغ أَبَا جهل واستفاض فِي أهل مَكَّة. فَلَمَّا أَصْبحُوا غَدا الْعَبَّاس يطوف، فَوجدَ فِي الْمَسْجِد أَبَا جهل، وَأَبا البخترى فِي نفر من قُرَيْش يتحدثون، فَلَمَّا نظرُوا إِلَى الْعَبَّاس ناداه أَبُو جهل: يَا أَبَا الْفضل؛ إِذا قضيت طوافك فَهَلُمَّ إِلَيْنَا. فَلَمَّا قضى طَوَافه جَاءَهُم فَجَلَسَ إِلَيْهِم، فَقَالَ لَهُ أَبُو جهل: مَا رُؤْيا عَاتِكَة؟ قَالَ: مَا رَأَتْ من شَيْء قَالَ أَبُو جهل: أما رَضِيتُمْ يَا بني هَاشم بكذب الرِّجَال حَتَّى جئتمونا بكذب النِّسَاء. إِنَّا كُنَّا وَأَنْتُم كفرسي الرِّهَان، فاستبقنا الْمجد مُنْذُ حينٍ. فَلَمَّا تحاكت الركب قُلْتُمْ: منا نَبِي. فَمَا بَقِي إِلَّا أَن تَقولُوا: منا نبية. لَا أعلم فِي قُرَيْش أهل بَيت أكذب رجلا وَلَا امْرَأَة مِنْكُم. فآذوه أَشد الْأَذَى وَقَالَ أَبُو جهل: زعمت عَاتِكَة أَن الرَّاكِب قَالَ: اخْرُجُوا فِي لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاث، فَلَو قد مَضَت هَذِه الثَّلَاث تبينت قُرَيْش كذبكم، وكتبنا سجلاً أَنكُمْ أكذب بَيت فِي الْعَرَب رجلا وَامْرَأَة. أما رَضِيتُمْ يَا بني قصي أَن ذهبتم بالحجابة والندوة والسقاية واللواء والرفادة حَتَّى جئتمونا بِنَبِي مِنْكُم. فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس: هَل أَنْت منته، فَإِن الْكَذِب فِيك وَفِي أهل الْبَيْت. فَقَالَ من حضرهما: مَا كنت يَا أَبَا الْفضل

<<  <  ج: ص:  >  >>