للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ وَالله خير مَا يكون حِين لَا تظن نفس بِنَفس خيرا. قيل لشيخ: مَا صنع بك الدَّهْر فَقَالَ: فقدت الْمطعم وَكَانَ الْمُنعم واجمت النِّسَاء وَكن الشِّفَاء فنومي سبات وسمعي خفات وعقلي تارات. وَسُئِلَ آخر فَقَالَ: ضعضع قناتي وأوهن شواتي وجرأ عَليّ عداتي. صعد أَعْرَابِي منبراً فَلَمَّا رأى النَّاس يرمقونه صَعب عَلَيْهِ الْكَلَام فَقَالَ: رحم الله عبدا قصر من لَفظه، ورشق الأَرْض بلحظه، ووعى القَوْل بحفظه قدم وَفد من الْعرَاق على سُلَيْمَان بن عبد الْملك فَقَامَ خطيبهم فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، مَا أَتَيْنَاك رهبة وَلَا رَغْبَة فَقَالَ سُلَيْمَان: فَلم جِئْت لَا جَاءَ الله بك. قَالَ: نَحن وُفُود الشُّكْر أما الرَّغْبَة فقد وصلت إِلَيْنَا فِي رحالنا، وَأما الرهبة فقد أمناها بعدلك، وَلَقَد حببت إِلَيْنَا الْحَيَاة، وهونت علينا الْمَوْت. فَأَما تحبيبك الْحَيَاة إِلَيْنَا فبمَا انْتَشَر من عدلك وَحسن سيرتك وَأما تهوينك علينا الْمَوْت فَلَمَّا نثق بِهِ من حسن مَا تخلفنا بِهِ فِي أعقابنا الَّذين تخلفهم عَلَيْك. فاستحيى سُلَيْمَان وَأحسن جائزته. ذكر أَعْرَابِي فِي ظلم وَال وليهم فَقَالَ: مَا ترك لنا فضَّة إِلَّا فضها وَلَا دهباً إِلَّا ذهب بِهِ، وَلَا غلَّة إِلَّا غلها، وَلَا ضَيْعَة إِلَّا أضاعها وَلَا عقارا إِلَّا عقره، وَلَا علقاً إِلَّا اعتلقه، وَلَا عرضا إِلَّا عرض لَهُ، وَلَا مَاشِيَة إِلَّا امتشها، وَلَا جَلِيلًا إِلَّا جله، وَلَا دَقِيقًا إِلَّا دقه. قَالَ عمر لعَمْرو بن معدي كرب: أَخْبرنِي عَن قَوْمك. فَقَالَ: نعم الْقَوْم قومِي، عِنْد الطَّعَام الْمَأْكُول، وَالسيف المسلول. دخل خَالِد بن صَفْوَان التَّمِيمِي على السفاح وَعِنْده أَخْوَاله من بني الْحَارِث بن كَعْب فَقَالَ: مَا تَقول فِي أخوالي؟ قَالَ: هم هَامة الشّرف وخرطوم الْكَرم، وغرس الْجُود إِن فيهم لخصالاً مَا اجْتمعت فِي غَيرهم من قَومهمْ إِنَّهُم لأطولهم أمماً، وَأكْرمهمْ شيماً، وأطيبهم طعماً، وأوفاهم ذمماً وأبعدهم همماً، هم الْجَمْرَة فِي الْحَرْب، والرفد فِي الجدب، وَالرَّأْس فِي كل خطب، وَغَيرهم

<<  <  ج: ص:  >  >>