كَانَ وَالله يخرج فِي اللَّيْلَة الصنبر يركب الْجمل الثفال، ومجنب الْفرس الحرور، وَفِي يَده الرمْح الخطي، وَعَلِيهِ الشملة الفلوت وَهُوَ بَين المزادتين حَتَّى يصبح، فَيُصْبِح مُتَبَسِّمًا. يرْوى أَن خَالِد بن صَفْوَان دخل على يزِيد بن الْمُهلب وَهُوَ يتغدى فَقَالَ: ادن، فَكل. فَقَالَ: أصلح الله الْأَمِير لقد أكلت أَكلَة لست ناسيها. قَالَ: وَمَا أكلت؟ قَالَ: أتيت ضيعتي لإبان الأغراس، وَأَوَان الْعِمَارَة فَجلت فِيهَا جَوْلَة حَتَّى إِذا صحرت الشَّمْس، وأزمعت بالركود، ملت إِلَى غرفَة لي هفافة، فِي حديقة قد فتحت أَبْوَابهَا، ونضح بِالْمَاءِ جوانبها وفرشت أرْضهَا بألوان الرياحين من بَين ضيمران نافخ، وسمسق فائح، وأقحوان زَاهِر، وَورد ناضر، ثمَّ أتيت بِخبْز أرز كَأَنَّهُ قطع العقيق، وسمك جراني بيض الْبُطُون، زرق الْعُيُون، سود الْمُتُون، عراض السرر: غِلَاظ الْقصر، ودقة وخلول، ومرى وَبقول، ثمَّ أتيت برطب أصفر صَاف غير أكدر لم تبتدله الْأَيْدِي، وَلم تهتشمه كيل المكاييل، فَأكلت هَذَا ثمَّ هَذَا، قَالَ يزِيد: يَا بن صَفْوَان لِأَلف جريب من كلامك، خير من ألف جريب مزروع. علم الْمَنْصُور ابْنه صَالحا خطْبَة فَقَامَ بهَا فِي النَّاس فِي مَجْلِسه فَلم يشيع كَلَامه أحد خوفًا من الْمهْدي، فَبَدَأَ شبة بن عقال الْمُجَاشِعِي من الصَّفّ فَقَالَ: وَالله مَا رَأَيْتُك الْيَوْم خَطِيبًا أبل ريقاً وَلَا أنبض عروقاً وَلَا أثبت جناباً وَلَا أعذب لِسَانا، وَقَلِيل ذَلِك لمن كَانَ أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبَاهُ وَالْمهْدِي أَخَاهُ، هُوَ كَمَا قَالَ الشَّاعِر: هُوَ الْجواد فَإِن يلْحق بشاوهما ... على تكاليفه فَمثله لَحقا. . أَو يسبقاه على مَا كَانَ من مهل ... فَمثل مَا قدما من صَالح سبقا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute