للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ الْحَارِث بن هِشَام المَخْزُومِي فِي وقْعَة اليرموك، وَبهَا أُصِيب، فاثبتته الْجراح، فَاسْتَسْقَى مَاء، فأُتي بِهِ، فَلَمَّا تنَاوله نظر إِلَى عِكْرِمَة بن أبي جهل صَرِيعًا فِي مثل حَاله، فردّ الْإِنَاء على الساقي وَقَالَ: امْضِ إِلَى عِكْرِمَة ليشْرب أَولا فَإِنَّهُ أشرف مني، فَمضى بِهِ إِلَيْهِ، فَأبى أَن يشرب قبله، فَرجع إِلَى الْحَارِث فَوَجَدَهُ مَيتا، وَرجع إِلَى عِكْرِمَة فَوَجَدَهُ أَيْضا مَيتا، لم يشرب أحد مِنْهُمَا المَاء. قَالَ الْموصِلِي: حَدثنِي رجل من أهل الْأَدَب قَالَ: كَانَ لفتىً من قُرَيْش وصيفة نظيفة جميلَة الْوَجْه حَسَنَة الْأَدَب، وَكَانَ بهَا معجباً، فأضاق، فَاحْتَاجَ إِلَى ثمنهَا، فحملها إِلَى الْعرَاق، زمن الْحجَّاج، فَبَاعَهَا فَوَقَعت إِلَى الْحجَّاج، فَكَانَت تلِي خدمته، فَقدم عَلَيْهِ فَتى من ثَقِيف أحد بني أبي عقيل، فأنزله قَرِيبا مِنْهُ وألطفه، فَدخل عَلَيْهِ يَوْمًا والوصيفة تقمز رجل الْحجَّاج، وَكَانَ للفتى جمال وهيئة، فَجعلت الوصيفة تسارق الثَّقَفِيّ النّظر، وفطن الْحجَّاج فَقَالَ للفتى: أَلَك أهل؟ قَالَ: لَا، قَالَ: خُذ بيد هَذِه الوصيفة فاسكن إِلَيْهَا واستأنس بهَا، إِلَى أَن أنظر لَك بعض بَنَات عمك، فَدَعَا لَهُ وَأَخذهَا مَسْرُورا، وَانْصَرف إِلَى رَحْله، فباتت مَعَه لَيْلَتهَا وهربت بِغَلَس فَأصْبح، لَا يدْرِي أَيْن هِيَ، وَبلغ الْحجَّاج ذَلِك فَأمر منادياً فَنَادَى بَرِئت الذِّمَّة مِمَّن آوى وصيفةً من صفتهَا وأمرها كَيْت وَكَيْت، فَلم يلبث أَن أُتِي بهَا فَقَالَ لَهَا: يَا عدوة الله، كنت عِنْدِي من أحب النَّاس، واخترت لَك ابْن عمي شَابًّا حسن الْوَجْه، ورأيتك تسارقينه النّظر، فدفعتك إِلَيْهِ، وأوصيته بك، فَمَا لَبِثت إِلَّا سَواد ليلتك حَتَّى هربت. قَالَت يَا سَيِّدي اسْمَع قصتي ثمَّ اصْنَع مَا أَحْبَبْت، قَالَ: هَات، قَالَت: كنت لفُلَان الْقرشِي، وَكَانَ بِي معجباً، فَاحْتَاجَ إِلَى ثمني، فَحَمَلَنِي إِلَى الْكُوفَة، فَلَمَّا صرنا قَرِيبا مِنْهَا دنا مني فَوَقع عليّ، فَلم يلبث أَن سمع زئير الْأسد فَوَثَبَ عني إِلَيْهِ، وَاخْتَرَطَ سَيْفه، ثمَّ حمل عَلَيْهِ فَضَربهُ وَقَتله، ثمَّ أقبل إليّ وَمَا برد مَا عِنْده، فَقضى حَاجته. وَقَالَت: ابْن عمك هَذَا الَّذِي اخترته لي، لما أظلم اللَّيْل قَامَ إليّ، فَإِنَّهُ لعلى بَطْني إِذْ ةقعت فَأْرَة من السّقف عَلَيْهِ فضرط ثمَّ وَقع مغشياً عَلَيْهِ، فَمَكثَ زَمَانا طَويلا

<<  <  ج: ص:  >  >>