للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستُعير مِنْهُ سرج فَقَالَ: وَالله مَا نزلت عَنهُ إِلَّا السَّاعَة. دخل على رجل يعزيه فَقَالَ: عظّم الله مصيبتك، وأعان أَخَاك على مَا يرد عَلَيْهِ من يَأْجُوج وَمَأْجُوج، فَضَحِك من حضر، فَقَالَ: لم تضحكون؟ إِنَّمَا أردْت هاروت وماروت. وَقَالَ يَوْمًا لصديق لَهُ: أُرِيد أَن أشْرب على عَورَة وَجهك عشرَة أَرْطَال نَبِيذ مريق، يُرِيد غرَّة وَجهك، ونبيذ مروق. وَقَالَ يَوْمًا لمغنية كَانَ يحبّها: أَنا - وَالله - لَك مائق، يُرِيد وامق فَقَالَت: لَيْسَ لي وحدي أَنْت مائق، أَنْت - وَالله - مائق لِلْخلقِ. أَخذ الطلق امْرَأَته فَدخل فَقَالَ للقابلة: أخرجيه بِاللَّه ابْنا وَلَك دِينَار، وَلَك مَا شِئْت، بِاللَّه لَا أحتاج إِلَى وصيتك. كَانَ مَنْصُور بن زِيَاد خَال الْمهْدي، ووالي خُرَاسَان من جِهَته يُحمّق، وَكَانَ نقش خَاتمه يَا حنّان يَا منّان تَحَنن تمنن على عَبدك الْأمين مَنْصُور بن زِيَاد. لما مَاتَ المكتنجي حزن المتَوَكل عَلَيْهِ، وَقَالَ: من ينشطني إِذا كسلت؟ ويسلّيني إِذا حزنت، فَقيل لَهُ: قد خلّف ابْنَيْنِ مليحين، فَأمر بإحضارهما وكلمهما فرضيهما، وجُعلت أرزاق أَبِيهِمَا للأكبر مِنْهُمَا، وَجعل للأصغر أَيْضا رزق دون مَا لِأَخِيهِ. فَقَالَ الصَّغِير: هَذَا يَا سَيِّدي خلاف مَا يجب فِينَا قَالَ: وَمَا الَّذِي يجب؟ قَالَ: إِنَّمَا نتقدم نَحن، وَتقدم أَبونَا قبل بالحماقة، وَمن شَأْن الْعُقَلَاء إِذا مَاتَ الرجل مِنْهُم أَن يَجْعَل ابْنه الْكَبِير مَكَانَهُ، فَأَما الحمقى فَإِنَّهُم يجْعَلُونَ الصَّغِير مَكَان أَبِيه، وَمَعَ هَذَا أَنا أَحمَق من أخي بِكَثِير. قَالَ: وَمَا الدَّلِيل على ذَلِك؟ قَالَ: هَهُنَا أَدِلَّة كَثِيرَة، أقربها أَن أبي حج فِي الْعَام الْمَاضِي فَلَمَّا قرب قدومه خرج أخي من سر من رأى إِلَى الْكُوفَة لتلقيّه، ومضيت أَنا إِلَى حلوان؛ لِأَنِّي كنت أَشد شوقاً مِنْهُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا قدم وَجَاءَنِي كِتَابه من سرّ من رأى إِلَى حلوان جِئْت، وَإِنَّمَا فعلت هَذَا لشدَّة شوقي إِلَيْهِ، فسرّ أبي بِمَا كَانَ مني سُرُورًا عَظِيما. فَقَالَ المتَوَكل: صدقت، أَنْت أَحمَق من أَخِيك بِكَثِير، اجعلوا الرِّئَاسَة لَهُ، وَاجْعَلُوا أَخَاهُ مَكَانَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>